بسم الله الرحمن الرحيم

الوضع العربي ثورة ضد الذات المهزومة


تمتلك الامة العربية والاسلامية مقومات ارتقاء نحو المراتب الحضارية والانسانية العليا ما لايتوفر لغيرها من الامم. ومن اهم مقومات الامة العربية تلك هو بزوغ شمس الديانات المختلفة واخرها الاسلام لكي تملأ الارض بالقيم العليا لتلك الاديان. كما وتمتلك تلك الامة من الموارد والطبيعية والبشرية والحضارات الانسانية ما لايستهان به. فلقد بزغت اولى الحضارات البشرية التي اتحفت الانسانية بالكتابة ومختلف العلوم في سومر وبابل في العراق وفي حضارة مصر الاولى ناهيك عن تعدد الحضارات الت تلت ذلك وعلى رأسها الحضارة الاسلامية المتدة من اسوار الصين شرقا حتى اوربا غربا.

لم يكن يروق للعديد من الامم الاخرى ان ترى تلاك المقومات دون ان تتمنى ان تكون كلها او بعضها لها هي دون غيرها مما حدى بالعديد من هؤلاء بالتربص للنيل من الحضارة الاسلامية رغم انها لم تبخل عليهم بالعلوم ومقومات الرقي والتقدم. ومما ساعد على ذلك التربص هو سقوط الامة بيد حكام كان ولايزال همهم الاوحد هو السلطة والهيمنة وجمع الثروات والمتع الشخصية. ولم يكن الصراع على السلطة وليد العصر الحديث بل فلقد امتد منذ العصور الاولى للدولة الاسلامية. ولقد اصبح هذا الصراع هو سمة العصور الحديثة من خلال الانقلابات العسكرية والحروب الطاحنة. ومن اكبر الكبائر التي هزت كيان الامة العربية هو لجوء العديد من الطامعين في السلطة الى الاستعانة بالدول الاجنبية التي وجدت الفرصة سانحة لكي تتدخل بشكل كبير من خلال هؤلاء. وبعد الحرب العالمية الاولى والثانية وخاصة مع اكتشاف الثروات النفطية الهائلة في البلدان العربية وبعد زرع الكيان الصهيوني في قلب الامة اصبح دور الحكام العرب لايتعدى ما تحدده لهم الدول التي استعمرت الدول العربية ثم خرجت منها بعد زرع الفتن وبؤر التوتر فيها.

اتخذ الحكام العرب في العصر الحديث من فلسطين وقضيتها ذريعة لاظهار انفسهم كالثوار والمدافعين عن فلسطين بينما يعقدون الصفقات والاتفاقيات السرية المناقضة لذلك. وفي نفس الوقت ادخلوا شعوبهم في متاهات وصلت بالقسم منهم الى حد استعباد هذه الشعوب وسلب حريتها وامتهان كرامتها مما جعلها شعوب مهزومة لاتشعر بالذات الا من خلال هؤلاء الحكام المتسلطين على الرقاب. فهناك دول صارت تنسب الى حكامها واخرى اصبحت تسمى باسماء العوائل الحاكمة وصارت الحقوق هبات يهبها الحاكم او يسلبها حيث شاء هو وافراد اسرته او المقربين اليه. ولقد اتخذ هؤلاء الحكام لهم واجهات دينية او حزبية او قومية لكي يسهل عليهم البقاء في الحكم دون منازع. فظهرت احزاب دينية او قومية واخرى تدعي الوطنية وهي عنها بعيدة وتشكلت عصابات داخل هذه الاحزاب لكي تجعل تمحور الاهداف والشعارات حول شخص او شخوص الحكام والاسر الحاكمة. والاتعس من ذلك كله ظهر دعاة باسم الدين يسمون انفسهم أئمة او فقهاء او مشايخ وغيرها من التسميات على اعتاب الحكام او انهم تقاسموا السلطة معهم. فالبعض من هؤلاء تقاسموا السلطة مع الحكام الذين ارتضوا بالحكم السياسي المستبد بينما المشايخ يأخذون السلطة الدينية المستبدة وبالمقابل يصدرون الفتاوى التي تجعل من الشعوب مجرد ادوات بيد الحكام يحركونهم كيفما يشاؤون بأسم الدين والفتاوى والدين من ذلك براء. وصدرت فتاوى باسم الطاعة العمياء لولي الامر بحيث اصبح الفرد لايستطيع حتى الدعاء لنفسه ولغيره الا بموافقة ولي الامر بينما هؤلاء الولاة يقدمون طاعتهم ليس لله ولكن للسادة في الدول المسماة (بالعظمى) والعظمة لاتليق الا لله وحده.

اصبحت الشخصية العربية شخصية ممتهنة ومكبوته بل ومقهورة ومهزوزة من جراء سياسات الحكام وبمساعدة الدول الاستعمارية لهؤلاء الحكام. ولقد تمكن هؤلاء الحكام من تسخير كافة المقومات في دولهم بما في ذلك الاعلام من اجل خدمة اهدافهم في الاستمرار في الحكم. ومن اهم الوسائل التي استخدمها هؤلاء الحكام هو منع شعوبهم من كل ما يتنافى مع توجهاتهم المعروفة. ومع تبدل الزمان اصبح من الصعب على منع الشعوب من القراءة او الاطلاع على الامور بما في ذلك ما يدور في قصور وحياة الحكام وحواشيهم المترفة. لقد جاء الزمن الذي اصبح فيه الحكم الفردي او الاسري شيء شاذ لايمكن معه ان تتقدم الدول او الشعوب فكيف لو كان هذا الحكم يحاكي العصور السالفة ما قبل الحرب الباردة؟! ان استمرار الحكام العرب على ما هم عليه من تفرد في الحكم ودكتاتورية مطلقة وسلطة دينية مرتبطة بالحكام يعتبر مهزلة لاتنسجم على الاطلاق مع مقومات التحضر والكرامة ناهيك عن تناقضها مع مقومات الدين التي تأمر بالقيم واحترام حقوق الانسان.
أن الشعوب العربية قد سأمت اوضاعها المتردية ورأينا كم انها مستعدة لتقديم اغلى التضحيات لكي تسترد حريتها وكرامتها ومقومات تقدمها وهذا افضل لها من الموت البطيء. واذا كانت هناك شعوب عربية لاتزال صامته تجاه اوضاعها فهذا لايعني انها ترتضي الذل والقهر والهوان والدكتاتوريات المطلقة ولكن ساعة نهوضها لم تحن بعد. فلا يوجد احد في هذا الزمن المفتوح يرتضي ان تكون حقوقه الانسانية مجرد هبة يهبها الملك او الرئيس او الحاكم بينما يتلاعب شيخ السلطان بتلفيق فتاوى لاتمت للدين بصلة لتخدير الشعوب. لقد جاء الدين ليحرر الشعوب من العبودية وليس لكي يستعبدها مجموعة من الافراد والاسر والحكام.

ان الشعوب لاتحترم الا اذا كانت اراداتها فوق ارادة حكامها وليس العكس فالحاكم السياسي في وقتنا هذا هو موضف في الدولة ينتخبه الشعب لفترة محدودة فقط لا استمرارية الحاكم في الحكم تؤدي الى التسلط والظلم والجمود السياسي والفكري والثقافي والاقتصادي والاجتماعي على حالة واحدة تتفاقم مع الاستمرارية. لقد صدق الشاعر الذي قال اذا الشعب يوما اراد الحياة فلابد ان يستجيب القدر وكأن لسان حاله هو الذي يلهم الشعوب العربية للتحرر وللحرية ثمن باهض فهي لاتعطى بل تأخذ.
أن زمن العبودية والاستفراد بالحكم قد ولى واصبحت الدكتاتوريات ظواهر شاذة في هذا العصر. فهل سيرعوي الحكام العرب ولهم في القذافي وعلي عبدالله صالح لعبرة لانهم خربوا بلدانهم وسوف يحاكمون في الدنيا والاخرة. ولو ان عبدالله صالح والقذافي كانوا اكثر تحضرا مثل حسني مبارك وبن علي لما صار في بلدانهم ما صار وهم بالتالي سوف يزاحون لامحالة. ومن يتصور نفسه من الحكام العرب بأنه بعيد عن الثورة فهو مخطيء تماما. وعلى هذا الاساس فأن الحكيم منهم كما ذكر العديدون سابقا هم اولئك الحكام الذين يسبقون الاحداث ويبادرون هم بانفسهم الى فتح صفحة جديدة مع شعوبهم تؤدي الى التداول السلمي الديمقراطي للسلطة ودون تأخير. فلو كان بشار الاسد سارع الى ذلك قبيل هذه الاحداث وكما ذكرنا سابقا لكان هو رائد التغيير ولكنه تأخر فسوف يلاقي مصيرا الله وحده يعلمه. وعليه فعلى باقي الحكام في السعودية وقطر والامارات والاردن وعمان والجزائر والمغرب والكويت بالمبادرة السريعة قبيل فوات الاوان لفتح صفحات تؤدي الى الديمقراطية وتداول السلطة السلمي. وهذا نفسه ما دعت اليه العديد من الدول والمختصين والجمعيات بحقوق الانسان لانها وحسب خبرتها بالاوضاع تعلم بما ينتظر هؤلاء ان هم لم يفعلوا بما فيه الكفاية لخلاص انفسهم وشعوبهم وبلدانهم. اما بالنسبة للبحرين فهي ذات وضع مختلف لأن حكامها تمادوا بقهر الشعب البحريني وهم يمارسون معه ابشع الجرائم والارهاب والقمع بعد ان قمعوه بشكل وحشي مما افقدهم المشروعية الكاملة بحكم هذا الشعب وهم بذلك يسعون الى ما لاتحمد عقباه فالشعب سوف لن ينسى لهم ذلك وسوف يستمر بثورته وقد اصبح هؤلاء شواذ في عصر لايقبل بالقهر ولايخفى ذلك القهر عن البشرية. ولم نذكر العراق ليس لانه بلد ديمقراطي ولكن حكومته تأسست على اسس خاطئة مستمدة من الطائفية والعرقية وبواسطة احزاب واشخاص تفشى معهم الفساد الاداري والقتل والانتمائات الطائفية والاقليمية مما غابت عن ذلك كافة الاسس الوطنية. فالعرق لايختلف عن غيره بحاجته الى حكومة منتخبة غير طائفية تسعى لبناء البلد ولاخراجه من الاحتلال الامريكي نهائيا واخراجه من كافة التبعيات الاقليمية. اما لبنان فهو كذلك يجب ان يخرج من الطائفية وهو البلد الذي كان يضرب به المثل بالديمقراطية ووجود هامش من الحرية اذا ما قورن بباقي البلدان العربية.

الحرية تأخذ ولاتعطى والكرامة تسترد ولاتمنح والذات المسلوبة لابد لها من العودة الى قيمها يوما ما!

This page is powered by Blogger. Isn't yours?Site Meter