بسم الله الرحمن الرحيم

خيارات صعبة تنتظر العراق واصعب منها ما ينتظر حكومة المالكي


اظهرت الاحداث الدموية والجرائم المختلفة والفساد الاداري خلال الفترة التي تلت غزو واحتلال العراق مدى الفشل والخطورة التي تمثلها الاحزاب والكتل السياسية التي جائت مع او بعيد الغزو الامريكي-البريطاني البغيض. كما وأظهرت تلك الاحداث المأساوية والمستمرة بما لايقبل الشك ولايحتاج الى براهين بأن هذه الاحزاب لاتقل (دكتاتورية ودموية) من باقي الانظمة الشمولية الدكتاتورية لانها نشأت وترعرعت على الدكتاتورية من قياداتها الى توريث هذه القيادات الحزبية ضمن العوائل. فالوضع المزري في العراق يعود بالدرجة الاساس الى غياب عنصر الوطنية عن هذه الاحزاب وتمسكها بايدلوجيات متزمتة تعتمد الاسس الطائفية والمذهبية والعرقية ولايوجد اساس للوطن في افعالها على الاقل الا فيما يتعلق بوجوده على هرم السلطة. ولولا الوجود الامريكي لما استطاعت هذه الاحزاب من تحقيق ادنى خطوات الديمقراطية ولدفعت الشعب في اتون حرب طاحنة مستغلةً بذلك الدين والمذهب وحتى الطائفة والعشيرة والعائلة.

ان قسم من هذه التجمعات يتبجح قادتها بان عوائلهم قدمت الضحايا في زمن (صدام) لتبرير بان لهم الحق في الحكم وما الى ذلك! فلو كان الامر يتعلق بعدد الذين قتلهم صدام من كل عائلة او عشيرة فان هناك العديد من العوائل والعشائر تم قتل العشرات بل المئات من ابنائها ولكنها لم تحصل على شيء يذكر في الحكم بل لم تكترث بذلك! اننا لسنا مع هذه الفرضية السقيمة لان الحكم هو مهنة يجب ان يتبؤها الشخص المناسب وان فشل يجب ان يحل اخر محله وليس وراثة او شيء يمنح لعائلة لانها قدمت تضحيات والا لجاز لنا ان نسمي هذه التضحيات على انها تضحيات من اجل السلطة وليس الوطن والتحرر.

ان المشكلة الاخرى التي تعاني منها الاحزاب (الاعراقية) سواء التي تحكم في سلطة (تحت حماية امريكية) او التي تعمل في الساحة هي ان لها ولائات مرتبطة بالدول التي كانت ترعاها كاحزاب معارضة دون ان تتمكن من الخلاص من هذه الولاءات رغم انها تتعارض مع الوضع العراقي الحالي. وهذا لايجعل هذه الاحزاب مبتورة الوطنية فحسب بل يجعلها متهمة بالتعامل مع من يساعد على ذبح العراقيين ويحول العراق الى ساحة صراع مع امريكا وبريطانيا بغض النظر عن الاعداد الهائلة التي يتم قتلها من الابرياء العراقيين من السنة والشيعة وغيرالمسلمين على حد سواء مع تهديم البنية العراقية المتهالكة أساساً. علاوة على ذلك فان بعض الدول لها عداء خاص مع العراق والعراقيين يعود لاسباب سابقة وعديدة مما يجعلها تنفذ اعمال عدائية ضد العراق ابنائه وسيادته وايران على رأس هذه الدول. فالسيادة العراقية لم تنتهك من مرتزقة الاحتلال فحسب بل هناك اجهزة مخابرات وعصابات مرتبطة بها تنتهك السيادة العراقية وان الاحزاب التي ترتبط بتلك الدول تعلم ذلك علم اليقين.

المشكلة الاخرى التي اغرقت العراق بالفوضى هو ان الاحزاب والمجموعات سواء في السلطة او التي تريد الاستيلاء على السلطة (ولانسمي هذه الاخيرة بالمعارضة لان العراق لايوجد به معارضة بل احزاب تتصارع على السلطة فحسب) هي احزاب تستمد قوتها وتمويلها وديمومتها من القوى الخارجية والاقليمية بالذات وهذا خطأ فادح جعل كافة هذه الاحزاب تتسبب بتفتيت المجتمع العراقي على اسس عرقية وطائفية وتدفع الى الاقتتال بناءا على مشاريع الدول الاقليمية والقوى الاخرى.

هناك عامل مهم يتسبب بالوضع العراقي الخطير الا وهو ضعف حكومة رئيس الوزراء الحالي (نوري المالكي) وعدم تمكنه من الاصلاح بل وتدهور الوضع بشكل خطير بحيث اصبحت حكومة المالكي ليست عاجزة فحسب بل وتحاول تبرير اخطائها بشكل مقرف ويدعو الى السخرية كما حدث في تصريحات وزرائها المسؤولين عن (ملجأ الايتام) الذي انتهكت به ابسط حقوق الانسان لشريحة من المجتمع غير قادرة عن الدفاع عن نفسها بسبب ضعف مكوناتها العقلية والجسدية. وهذا انتهاك خطير لحقوق هؤلاء المعاقين من الاطفال ثم استهجان بهذه الحقوق التي كان يجدر بمن كان يتبوأ مسؤليتها ان يستقيل ويقدمه رئيسه الى التحقيق. ان حكومة المالكي تكاد تكون شبه ميته فهي تبدو غير موجودة في الواقع العملي الا من خلال بعض التصريحات والاستنكارات وهذا لايسمن ولايغني من جوع علاوة على محاولة ايجاد الاعذار بدل تصحيح الاخطاء. فلم تحقق تلك الحكومة اي تقدم يذكر على مستوى الامن وجمع الشمل العراقي الذي يمزقه الارهاب والاحتلال والاحزاب. ولم تنجح خطة امن بغداد بمنع التفجيرات والقتل والخطف وباقي الجرائم رغم مرور اشهر على تطبيقها. ولم تستطع هذه الحكومة من منع التدهور الحاصل في مجال الخدمات كالكهرباء والماء والصحة والتعليم وغيرها. وقد استفحل الفساد الاداري بحيث ان المدير المستقيم والغير مفسد في دائرته يتعرض للتهديد من قبل موضفيه ان هو حاسبهم على ما يقومون به من فساد ادراي واضح. وقد تم تعرض الكثير من موضفي النزاهة بالتهديد بالقتل وترك العديد منهم وضائفهم في المناطق البعيدة عن سكناهم وعادوا الى محافضاتهم خوفاً من القتل. ولقد فشلت وزارة (الشهرستاني النفطية) من تحقيق ادنى مستويات التقدم في توفير الخدمات وبقي النفط العراقي يتعرض للسطو والسرقات وبطرق مختلفة يعلمها (الشهرستاني).

اما على مستوى العلاقات الخارجية والسفارات فهذا شيء في طي النسيان ويبدو ان كل سفير وسفارة تتمتع بما لذ وطاب من امتيازات بعيدا عن العراق واجواءه المأساوية ولايهم في الوقت الحاضر ان تعمل من اجل صالح العراق ام لا تعمل ما دام البلد لايمتلك السيادة ويرزخ تحت بساطيل المرتزقة من المحتلين والقتلة والمجرمين والمفسدين والسراق والمتصارعين على السلطة وهلم جرى. بل ان هناك من السفراء من حقق حلمه باعتباره كان في معارضة (السبعة نجوم) فاختار له دولة وبنى او استأجر فيها بناية ورفع عليها (علم صدام ذو كلمة الله اكبر) ثم اصدر له زميله في المعارضة السابق (زيباري) امر تعيين. فبقيت سفارات صدام كما هي ولكن بمسميات واشخاص جدد. وهناك الكثير مما يقال حول فشل حكومة المالكي فشلا ذريعاً لايمكن معه لها بالاستمرار.

اما على المستوى الاعلامي فلم يبرز اعلام عراقي مستقل يهدف الى خدمة الشعب العراقي دون الميل الى هذه المجموعة او تلك مما يؤدي الى الكذب والتدليس والنفاق. ومن الامثلة الحالية على ذلك هو الكذب والتدليس والنفاق الذي عمدت اليه فضائية (العراقية) حول فضيحة ملجأ الايتام وذلك بمحاولة التقليل من شأنها بل واتهام المرتزقة الامريكان بافتعالها. بنما تقوم فضائيات اخرى مثل (فضائية الشرقية) بعمل العكس وتضخيم كل ما ينال من هذه الحكومة مثل قضية المدعوة (ياسمين الجنابي) وهكذا دواليك.

ان الشعب العراقي وفي المستقبل القريب الذي سوف تعاد فيها الانتخابات سواء بفيتو امريكي او بتخطيط معروف سوف ينظر الى الذين حققوا له النجاحات وليس الى ازياء وشعارات وخزعبلات فارغة رغم عدم بروز شخصية وطنية قوية تبرهن بالواقع والافعال وليس الشعارات والكلام بانها ليس لديها ميول طائفية او فئوية بل وطنية وحسب. فالشيعي سوف لن يتردد بالتصويت للسني الذي يمكن له ان يخلص البلد مما هو فيه ويعطي كل حق حقه والعكس بالنسبة للسني. اي لم تعد الطائفية تنفع في الانتخابات القادمة بل سيكون التصويت على اساس من الذي حقق او يحقق النجاح للعراق امنيا وسياسيا واقتصاديا. هذا من ناحية الاشخاص اما من ناحية الاحزاب فان الذين يحققون النجاحات في الجانب الامني اليوم هم (عشائر العراق) كما حصل في (الانبار) حيث استطاع تحالف العشائر هناك من اسقاط القاعدة وارهابها وبشكل كبير لم تستطع ان تحققه لا القوات العراقية الضعيفة ولا القوات المحتلة المتهورة. ومن هنا يبرز الى الواقع قادة جدد من صلب المجتمع العراقي ويفهمون معاناته ويستطيعون تحقيق الاستقرار له. فاذا مابرزت من هؤلاء كتل او مجموعات تستطيع ان تقود البلاد كلها وليس جزء منها الى شاطيء الامان فان الشعب سينتخبها وليس من المهم ان تكون هذه الكتل العشائرية من الجنوب او الوسط او الشمال المهم هو ان تكون قادرة على تخليص البلاد مما هي فيه. وهذه نقطة مهمة اصبحنا نشهدها يوميا وبشكل متسع اي نشاط العشائر العراقية بتحقيق نجاحات عجزت عن تحقيقها الحكومة وقوات الاحتلال البغيضة. فلقد برزت تكتلات عشائرية تريد ان تحقق نفس الغرض في ديالى وكركوك والوسط والجنوب. كما ويبدو ان هذه العشائر تتجه الى تحقيق تحالفات عشائرية كبيرة تضم العشائر الجنوبية والوسطى وهي عشائر تتداخل فيها المذاهب والقوميات والاديان. كما وانها تتسم بعادات وتقاليد اذا ما تم تفعليلها فانها ستكون مسؤولة مسؤولية كاملة بمنع القتل والاعتداء. ومما يعزز ذلك هو ان للعشيرة سلطة تضاهي سلطة تتمكن فيها من ضبط عناصرها والمنتمين اليها بوسائل عديدة. فهل ستنجح عشائر العراق بتخليص البلاد من الارهاب وتحقق سلطة القانون بعد ان عجز الاخرون؟!

بكلمة مختصرة فان الوضع العراقي لكي يستقر امامه ثلاث خيارات. الخيار الاول الذي لابد منه بغض النظر عن الخيارين الاخرين الا وهو استقالة او اقالة حكومة (المالكي) لا لشيء بل لانها فشلت. اما الخيارين الاخرين فالاول هو خيار امريكي وموجود في الملفات الامريكية الا وهو دعم قيام حكومة انقاذ وطني عسكرية على غرار الحكومة الباكستانية مع حل كافة الاحزاب والبرلمان وايقاف وفرض حالة طواريء بحيث تقوم تلك الحكومة باساليب قمعية تدعمها امريكا وهذا ليس بالغريب على امريكا. اما الخيار الاخر وهو قد يكون الافضل للعراق والعراقيين فهو بروز كتل عشائرية جديدة من العشائر التي تحقق الامن ومن تكتلاتها تكون قادرة على تحقيق الامن للعراق كله او كتل سياسية اخرى تنجح بتحقيق انتخابات مبكرة اخرى بعد اسقاط الحكومة الفاشلة الحالية.

ولكن هناك خيارات كثيرة ومفاجئات سوف تفرزها المرحلة القريبة القادمة الا اللهم اذا صارت معجزة وغيرت حكومة المالكي من توجهاتها وصارت تحقق نجاحات مفاجئة وغير مسبوقة على صعيد الامن والتوجه السياسي والمصالحة الوطنية والخدمات ومحاربة الفساد وحفظ حقوق الانسان ولاندري هل سيكون ذلك سهلا عليها وعلى كتلتها البرلمانية ام لا.

This page is powered by Blogger. Isn't yours?Site Meter