بسم الله الرحمن الرحيم

هل ستقع ايران في البئر الذي حفرته للعراق؟


لاشك أن الارهاب الوهابي المتمثل في القاعدة والذي يمده ملالي الفكر التكفيري المتحجر في شبه الجزيرة العربية بالفتاوي والتمويل اللوجستي المختلف هو الذي يشكل الخطر الرئيسي في العراق بالاضافة الى الاحتلال (الانكلوسكسوني البغيض). كما واثبتت الادلة القطعية بان النظام السوري يلعب دوراً كبيراً في امداد وتمويل عدم الاستقرار في العراق. وبالاضافة الى ذلك فان الفساد الاداري وضعف المسؤولين العراقين الشديد يلعب دوراً كبيرا في استمرار العنف خاصة فيما يخص المحاصصة الطائفية والصراع على السلطة التي اصبحت سمات اساسية بديلة عن النهج الوطني.

والسؤال هو ما هو الدور الايراني في ما يحصل في العراق؟ هل هو فعلا كما يصرح المسؤلون الايرانيون بانهم يريدون الاستقرار في العراق ام انهم يصرحون خلاف ما يفعلون؟ وهل فعلا توجد صلات مابين تنظيم القاعدة وايران فيما يخص العراق؟ وما هي المصلحة الايرانية في تلك العلاقة؟

ولكي نستطيع الاجابة على هذه الاسئلة فاننا يجب ان نعود قليلا الى الوراء الى عام 1979 بعد قيام الثورة الايرانية وعودة (الخميني) من النجف الى باريس ثم الى ايران. في بداية هذه الثورة نظر اليها الكثير من احرار العالم وخاصة الشباب العراقي المثقف باحترام وكبرياء لانها قضت على اكبر نظام عميل للغرب وخاصة امريكا في المنطقة وجائت بثورة (اسلامية) احدثت هزة كبيرة في المنطقة والعالم. ولقد خافت كافة الانظمة خاصة الخليجية الضالعة بالعمالة للغرب من ان تقوم شعوبها بمظاهرات وثورات مماثلة ومما زاد تلك المخاوف هو التوجه الايراني لتصدير تلك الثورة عبر الاعلام والتنظيمات خاصة الى العراق. ومن هنا حصل الخطأ الكبير حيث عملت ايران على معاداة ليس الغرب كله فحسب بل دخلت في حرب مع العراق وهي تعلم بان القتال مع العراق كان بين (المسلمين). فلم ينحصر شق الصف على ايران والعراق بل انقسمت الدول الاسلامية والعربية الى مؤيد و معارض لاحد الفريقين. فكانت سوريا وليبيا مع (ايران الخميني) بينما ساندت الكويت والسعودية ودول الخليج (عراق صدام). ولو افترضنا على ان صدام هو الذي بدأ الحرب بشكل رسمي فان الخميني قد تسبب باستمرارها لمدة 8 سنوات وذلك لان صدام قبل من جانب واحد ايقاف الحرب بعد ستة ايام من حصولها وهذا شيء لاينكره القاصي و لا الداني.

في الحقيقة ان الحرب بشكلها العملي العسكري غير المعلن و الاعلامي بدأت قبل ان يعلنها صدام بشكل رسمي حيث كان العديد من الجنود العراقيين ينقلون الى مستشفيات البصرة بسبب تعرضهم الى شضايا قنابل يتم اطلاقها من الجانب الايراني بعدة اسابيع قبل الحرب. كما وصارت التحريضات الايرانية ضد العراق لزعزعة الامن والقيام بمظاهرات وثورة على غرار ثورتهم بشكل يومي ومنظم. ولقد ادى ذلك الى تعريض الكثير من الشباب العراقي الى المخاطر والاعدامات والسجون على ايدي النظام الدكتاتوري الصدامي. وعليه فان ايران لم تتصرف بحكمة وعقلانية ومسؤولية اسلامية (باعتبارها جائت بثورة اسلامية) لكي تحق الدم العراقي والايراني المسلم. بل ان الخميني وباصراره على الحرب مع صدام قد اعطى الحجة لصدام لبناء ترسانية عسكرية ولعسكرة الشعب العراقي المغلوب على امره وبالنهاية للاستمرار في السيطرة على الحكم باستخدام القمع والتخويف وسلب الحريات والارادات. اي ان ايران الخميني قد عملت على تدمير العراق وساعدت صدام على نشب مخالبه في الجسد العراقي. وبعد ثمان سنوات من رفض الخميني على ايقاف الحرب وقبيل وفاته ولكي لاتستمر الحرب بعد وفاته تم اقناعه من قبل رفسنجاني وغيره بقبول ايقافها وقد وصف هو ذلك بان القبول بايقافها هو (كتجرع السم)! وعندما نقرأ كلامه هذا لانستغرب كيف ان الخميني وكرجل دين لم يكترث على حقن دماء المسلمين ويقبل بوقف الحرب منذ الايام الاولى لها.

وبعد انتهاء الحرب (الخمينية الصدامية) التي قتل بها المسلم اخيه المسلم ولم يربح فيها الا اعداء العراق وايران ولدت تلك الحرب حرب الكويت. خرج العراق من حرب ايران وهو يمتلك اكبر جيش في العالم من حيث عدد الجنود والقادة ذوي الخبرة العسكرية الكبيرة في ساحات القتال كما ويمتلك مخزون عسكري من العلم والتصنيع والقابلية في مختلف المجالات العسكرية ما لم يتوفر لاكبر الجيوش في العالم. والجميع يعلم انذاك كيف ان دول الخليج كانت (ترتجف خوفاً) من صدام وجيشه ولم يكن احداً منهم يجرأ على ان يمس العراق ببنت شفة فالجميع يتذكر بان السعودية لم تتجرأ على ذكر دخول القوات العراقية الى الكويت في اخبارها الا بعد مرور ايام على ذلك. وعليه فلم يرق لهم هذا الوضع كما لم يرق (لاسرائيل) خاصة. وعلى هذا الاساس فانهم مهدوا لحرب الكويت. أي ان حرب الكويت لم تكن كما صرح عنها صدام بانها من اجل ضم الفرع الى الاصل بل انها كانت (خداع) تم ايقاع صدام فيه وكان المخطط للغزو الكويتي هي (امريكا واسرائيل) من اجل القضاء على القوة العراقية الرهيبة ولم يكن الغزو بالاساس مخططاً له من قبل صدام بل انه قد تم خداعه وايقاعه في الفخ من قبل امريكا وبدفع من اسرائيل. وهكذا جائت حرب الكويت وتم تدميرها فجنت من اعادة بنائها الشركات الامريكية مبالغ لم تكن تحلم بها. وصار لامريكا قواعد كبيرة في المنطقة بعد ذلك. ولو لم ينخدع صدام بهذه الحرب وعكف على بناء العراق وترتيب شؤون الجيش دون غزو الكويت لاصبح العراق هو القوة الاقليمية الكبرى ولاستطاع صدام ان يأخذ مايريد ممن يشاء. فالجميع يتذكر كيف ان تحريك قطعة عسكرية عراقية على حدود العراق الجنوبية كان يرفع اسعار النفط الى مستويات تخيف الاقتصاد العالمي بينما كان صدام وبواسطة المخابرات العراقية هو الذي يسيطر على الكويت دون الحاجة الى غزوها. ان غزو الكويت كان خدعة امريكية اسرائيلية كبيرة جدا اخذ صدام سرها معه ولولاها لكان لصدام والمنطقة والعراق شأن اخر.

وبعد الحرب الامريكية لغزو وتحرير واعادة بناء الكويت وبقاء صدام في السلطة والحصار الامريكي الاعرابي الذي قتل مليون طفل عراقي صار صدام الذي كان العدو الاول للخميني صديقا لايران التي ساعدته هي الاخرى على الاستمرار في السلطة وبيع النفط العراقي المهرب من خلال موانئها وبواسطة المقبور (عدي). ومرة اخرى تلعب ايران دور المخرب في العراق وعدم المكترث في حياة شعبه المسلم وهو ما يخالف دعواتها للاسلام ومبادئه.

اما اليوم فاننا نشهد تدخل مباشر من قبل المخابرات الايرانية في الشأن العراقي وعلاقة ايران المباشرة بنتظيم القاعدة من اجل ابقاء الامن مزعزعا في العراق غير مكترثين بالدماء العراقية البريئة التي تراق وتدمير المعابد والمساجد وغير ذلك من بنية تحتية والثروة العراقية. ومرة اخرى فان هذا يتعارض مع دعوات ايران الاسلامية لان الاسلام يرفض اراقة الدماء البريئة وتهديم المنشئات واهدار الثروات التي تخص كافة البشر وليس المسلمين فحسب. وبعد سقوط النظام تم قتل العديد من ضباط الجيش والطيارين العراقين الاكفاء الذين شاركوا في الحرب مع ايران فمن الذي قتلهم؟ ولقد اصبح(الخميني) الذي قتل مئات الالاف من العراقيين الجنود ومن الابرياء في المدن كالبصرة التي كانت تتعرض للقصف المدفعي الايراني اليومي تحول الى رمز لبعض العراقيين الذين كانوا معه في ايران عند اندلاع الحرب. اننا ليس لدينا عداء مع الخميني ولكن كان يمكن له ان يكون رمزاً كبيرا لو انه اوقف الحرب منذ الايام الاولى بحجة (حقن دماء الشعبين المسلمين) وللاسف فلقد تم العكس.

لقد لعبت ايران دورا كبيرا في تخريب العراق منذ مجيء الخميني للسلطة والى يومنا هذا وان تصريحات المسؤولين الايرانيين في استتباب الامن في العراق هو نفاق تنفيه الوقائع. وعلى ايران اذا ارادت ان تتجنب عدم الاستقرار في اراضيها ان تساعد على استتباب الامن في العراق وان لاتساعد تنظيم القاعدة ولا تسعى الى تفتيت الوحدة العراقية. وان ايران ستندم ندما شديدا اذا هي لم تفعل على استقرار العراق ووقف دعمها للارهاب في العراق لان ذلك سينقلب عليها عاجلا ام اجلا ومن حفر بئرا لاخيه وقع فيه. وان ايران مخطأة اذا تصورت بان عدم استقرار العراق سوف يمنع امريكا من ضربها فالعكس هو الصحيح. اذا ان عدم استقرار الاوضاع في العراق يعطي امريكا الفرصة للبقاء وزيادة قواتها في لحظة تشاء كما ويجعل عدم الاستقرار العراقي جنودها في مأمن. اضف الى ذلك فأن امريكا ستتخذ من التدخل الايراني في العراق سببا الى توجيه ضربة اليها اولا لردعها وثانيا لانها ستعتبر ذلك تحدياً لن تسكت عليه وهي القوة العظمى في العالم. فهل ستعي ايران الدرس وهل يحتاج الحليم الا للاشارة تكفيه!

This page is powered by Blogger. Isn't yours?Site Meter