بسم الله الرحمن الرحيم

وبالنهاية قتل صدام نفسه وعلى الشعب ان يفهم الدرس


تضاربت التصريحات والاراء حول أعدام (صدام حسين) بين مؤيد ومعارض ومتوعد ولكن الجميع نسى حقيقة واحدة هي أن صدام حسين قد قتل نفسه بنفسه وبمن حوله من الذين دفعوه نحو الهاوية. تلك الهاوية التي دفع ويدفع ثمنها الشعب العراقي الذي يجب ان يتحمل جزء من المسؤولية ليس لانه شارك صدام بجرائمه ولكنه صفق له ورقص على انغام اناشيد تمجيده وصمت على جرائمه بل ونافق حتى جعل من شعوب البلدان الاخرى تخبر العراقي الذي كان يسافر اليها بأن العراقيين يحبون صدام ويرقصون فرحاً له! و قد يقول قائل بان الشعب دفع دماء كثيرة من اجل التخلص من الحكم الدكتاتوري وهذا صحيح الا اننا نتحدث عن الوضع بشكل عام. وعلى هذا الاساس فان نهاية صدام لاتعني بداية جديدة دون نقد للذات سواء كانت على مستوى الفرد او الجماعة. فنحن العراقييون قد ساهمنا بشكل مباشر وغير مباشر بخلق الدكتاتورية لاسباب متعددة منها بلاشك الخوف من المصير المجهول او العقوبة او لاسباب مادية وسلطوية وماشابهها. لاشك ان الخوف قد بثته الاجهزة الصدامية المختصة بشكل مرعب ولكن لم تأتي هذه الاجهزة من المريخ ولامن (اسرائيل) فقد كانت باجمعها تضم عناصر عراقية سنية وشيعية وكردية وغير ذلك.

في عام 1968 وعند سماع العراقيين للبيان رقم واحد فجر يوم 17 تموز قال الناس بالحرف الواحد (بس لا البعثية)! وكان السبب واضحاً أذ ان سنوات الحرس القومي لاتزال ماثلة و لم يمر عليها سوى اربع سنوات فقط وهي التي شهدت ترويع وسجون وتعذيب شهده الواقع العراقي تحت ضل حكم (البعث) آنذاك. وبالفعل فقد ظهر ما خاف منه العراقييون وهو ان الحكام الجدد هم من (البعثييون) وبالذات جماعة الحرس القومي. ولكي يطمأنوا الشعب فانهم حاولوا باديء ذي بدأ الاعتراف باخطاء عام 1963 ولكنهم بدؤا بافتتاح مسلسل قتل رهيب بعد ايام فقط وتم نصب المشانق في وسط بغداد وهي تحمل الاجساد المتدلية لمن سمته محاكم الثورة بالجواسيس. ويبدو انهم عملوا ذلك لاختباراً رد فعل الناس و لما سيقوم به الشعب فعندما سكت الناس بل وخافوا من ملاقاة نفس المصير تشجع صدام واخذ يطبق نفس الاسلوب وبشكل مستمر حتى انه بعد ذلك اعتبر (انقلاب شباط هو عروس الثورات) واعادها عطلة رسمية بعد ان الغيت في زمن البكر. ولم يصمت الشعب فقط بل هلل وصفق ورقص للدكتاتور فهو يتحمل جزء من المسؤولية. وهذه مسألة مهمة يجب ان لاتنكر لكي لاتتكرر ثانية مآسي هذه التصرفات ولكي لايصفق هذا الشعب لاحد مرة اخرى سواء كان هذا الاحد هو (الحكيم) او (الصدر) او (الرئيس) او اي رمز مهما كان دينياً او ساسياً ولايعني هذا عدم احترام الشخوص المخلصة او الدينية ولكن عدم تأليهها. كما وان نفس الشيء ينطبق على كل من يتبوأ مسؤولية حزب او فئة او جماعة او حكومة أن لايسمح لاحد بتمجيده او التهليل له وان لايستبد برأي سواء تجاه حزبه او غيرهم.

(ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (الأنفال : 53 )

لم يكن صدام حسين هو الرئيس الدكتاتوري الاوحد في الدول العربية لان جميع دول العرب تحكمها انظمة شمولية دكتاتورية مستبدة وبدون استثناء ولكن بدرجات متفاوتة كان اطغاها هو نظام صدام. ولعل هذا هو السبب الذي دعى نظام (معمر قذافي) في ليبيا ان يعلن الحداد العام على صدام ولعل ذلك يعود الى ان هذا النظام يقارب ولو بدرجة اقل ماقام به صدام ضد شعبه. فلم يتردد القذافي من عرض بيانات الاعدامات بحق معارضيه على الشعب الليبي وفي فترات الافطار خلال شهر رمضان وزجه بحروب ولو على درجة اقل! وهو الذي بدد ثروة ليبيا النفطية بنفس الاساليب التي بدد بها صدام ثروات العراق بما في ذلك شراء الاسلحة وبناء مصانعها ألا ان صدام هدمها بالحروب ولكن (القذافي) تبرع بتسليمها الى امريكا طوعا وتطوعا وهو الذي خلق لليبيا اعداء اكثر من الاصدقاء كما فعل صدامً. أن الدكتاتوريات العربية ابتدعت على مر العصور وسائل غريبة في الحكم لم ينزل الله بها من سلطان بل واصبحت اضحوكة من اضحوكات الزمن لغيرها من الشعوب. فالوراثة في الحكم لم تعد قائمة على الملكية وسميت الدول باسماء العوائل المالكة وابتدعت انتخابات كانت نسبها تفوق ال 99.99% لكنها عدلت قليلاً واضيف منافسون اصطناعيون للرؤساء لكي تتماشى مع العصر لكنها لم تنطلي على احد.

ان المطلوب من الشعب العراقي بعد رحيل (صدام) ان يبدأ مرحلة جديدة يتقبل بها النقد الذاتي واصلاح النفس كما ويجب على (البعثيين) القيام بمراجعة شاملة للفترة الماضية وتشخيص الاخطاء والعودة للذات الحقيقية ومن ثم للوطن كوطن وناس وليس كدكتاتور واحد لم يتسلط على الشعب فقط بل وعلى الحزب كذلك. ان العراقيين مطالبون كاحزاب وجماعات وافراد ان يتعايشوا اولاً دون اراقة دماء ثم ان يشاركوا في بناء العراق ساسياً واقتصادياً دون تدخل الاجنبي مهما كان وبذلك يمكن لهم ان يقولوا للمحتل نحن قادرون على ان نحكم انفسنا بانفسنا دون الحاجة اليكم ووضعنا مستقر فاخرجوا من بلدنا مع البقاء على علاقات صداقة واحترام متبادل وتعاون. اما اذا بقيي العراقييون متناحرون ولم يتعلموا من الدروس فسوف لن يكونوا قادرين على ادارة شؤونهم بانفسهم دون الحاجة لوجود المحتل.

( وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) (المائدة : 2 ).

This page is powered by Blogger. Isn't yours?Site Meter