بسم الله الرحمن الرحيم

العراق على عتبة مرحلة جديدة والكابوس لم يبقى له سوى ساعات


بعد قرار محكمة التمييز العراقية العليا بتثبيت حكم الاعدام على المدان (صدام حسين مجيد) يقترب العراق من الدخول الى مرحلة جديدة خالية من وجود صدام ان لم يكن قد دخل فيها فعلاً بتنفيذ هذا الحكم بعيد اقراره. وعندما نقول بان العراق يدخل مرحلة جديدة ليس لاهمية صدام بالنسبة للعراق بل لانه جثم طوال اكثر من ثلاثين سنة كابوسا مرعباًً لايوازيه كابوس على كاهل كل عراقي وعراقية.

لم يكن صدام دكتاتوراً فحسب بل انه فاق بظلمه وتسلطه وعنجهيته وتعسفه وماشابهها كافة الطواغيت عبر العصور الحديثة والقديمة. ولا نغالي اذا قلنا ان طغيانه قد فاق طغيان (فرعون) الذي لم ينفك القران يذكر ظلمه رغم ان فرعون مصر كان يحاور خصومه مثل (موسى وهرون) ولم يقتلهم مباشرةً كما فعل صدام بخصومه او بمجرد الشك بانهم خصوم له. فهو الذي قال في (محمد عايش) ومن كان معه من رفاقه في الحزب , قال بانه (يرى في عيونهم نقطة سوداء منذ فترة طويلة) وعلل بان لديه فراسة يستطيع فيها ان يعرف مناوؤيه من خلال نظرات عيونهم ليقتلهم فيما بعد!

لقد عمد صدام الى فرض كابوسه على عقول العراقيين حتى اصبح العراقي لايستيقض في الصباح الا وكابوس صدام يصبح ماثلاً امامه يرعبه في كل خطوة يخطوها او لقمة يأكلها او جرعة ماء يشربها حتى يأتي المساء لينام غير آمناً على نفسه ولاعلى اهله من صدام وعصاباته. لم يكن صدام يحكم بيديه لوحده فقد استخدم اجهزة سلطها على رقاب الشعب وسلط بعضها على البعض الاخر وجعل نفسه على هرم سلطة مرعبة تبث الخوف والرعب والموت والاعتقالات. كما وانه حول (حزب البعث) الى مجرد بوق ينعق باسمه ليلاً و نهاراً واعدم كوادره التي عارضت ذلك بما في ذلك خاله (احمد حسن بكر) الذي اجبره على التنازل له ثم قيل انه دس له السم ليقتله. ولايخفى على احد بانه قد تسبب بقتل ابن خاله (عدنان خير الله طلفاح) في حادث الطائرة المعروف لانه احس منه ريبة ليس الا!

لم يكن صدام في بداية سيطرة (البعث) على السلطة الا فرداً من افراد حماية خاله (البكر) ولكنه وبمساعدة بعض المخابرات الكبرى هو واخيه (برزان) استطاعوا بث الرعب والتخلص من اعضاء انقلاب عام 1968 المهمين من امثال (النايف والداود) لكي يتسنى له الامر. ثم استمر مسلسل الرعب بالتصاعد ابتداءاً بذلك ومروراً (بابو طبر) حتى اكتمل بالقتل الجماعي للشيعة والاكراد وبعض السنة. وشمل ذلك شن حروب ثلاثة رئيسية منذ عام 1979 الى عام 2003 مع ايران ثم الكويت ثم امريكا مروراً بالحصار الذي يعادل تاثيره على العراق حرباً رابعة اخرى. ولقد وجد صدام حربه مع ايران ذريعة للتخلص من كل من يختلف معه او بمجرد الشك في ذلك وبابسط الامور. ولعب في ذلك دوراً وقوف امريكا والغرب معه ضد (الخميني) مما تسبب بدفع الشعب العراقي نحو محرقتين في آن واحد, محرقة الحرب (الصدامية- الخمينية) ومحرقة الاجهزة الصدامية المتعسفة. ولقد وقف (الاعراب) وخاصة دول الخليج وبضمنها (الكويت) مع صدام ضد الخميني غاضين اعينهم عما يتعرض له الشعب العراقي بل وقسم منهم مرحباً به وان كان ذلك سراً.

ولقد جثم صدام على صدور العراقيين في كافة مجالات الحياة وفي كل مكان بصوره وتماثيله وسيطر وجوده على التلفاز والاذاعة والصحف وكافة وسائل الاعلام وحتى على الاجتماعات الحزبية والمؤتمرات العامة والخاصة وكل شيء و بدون مبالغة. ولم يتوانى صدام من اعدام خيرة علماء ومثقفي ومفكري العراق وخاصة الشيعة منهم من امثال (محمد باقر الصدر واخته) (رحمهم الله) وغيرهم. وشملت الاعدامات خيرة شباب العراق من طلبة الجامعات وحملة الشهادات وضباط الجيش وكافة قطاعات الشعب. لقد كانت عناصر الامن تدخل الى حرم الجامعات عنوة وتعتقل الطلاب من قاعات الدراسة او من الامتحانات وحتى من الاجتماعات الحزبية الخاصة بحزب البعث! ولقد تم ولمئات المرات اعتقال الاطباء في اثناء خفاراتهم الليلية كما وشمل نفس الشيء المهندسين وغيرهم في اثناء عملهم. وفي الوقت الذي حارب به صدام خيرة مثقفي ومتعلمي ومفكري العراق وحاصرهم عمد الى جعل عناصر غير متعلمة على هرم القيادات وفي نفس الوقت دس لهذه العناصر من يراقبها ويتسلط عليها من الذين هم ادنى منها.

ولم يستثني صدام احداً من ظلمه وتعسفه التي طال حتى الاطفال الذين اعتقل وعذب وقتل منهم الكثير وهم لايزالون طلاباً في المدارس المتوسطة وحتى الابتدائية. بل ولقد شمل الاطفال الرضع الذين اخذوا للسجون مع امهاتهم وولد القسم منهم في المعتقلات والسجون.

وشملت جرائم صدام تغيير الواقع البيئي مثل تجفيف الاهوار لا لسبب بل لكي يعاقب اهل الاهوار ولكي يسهل عليه تعقب من يهرب اليها من مناوؤيه او من حروبه ومعتقلاته. والمعروف ان (أهوار العراق) هي الارض التي انطلقت منها اولى الحضارات البشرية التي علمت البشرية القراءة والكتابة والزراعة وتخطيط المدن والبنوك والبريد والتعامل بالعملات وسن القوانيين وعلوم الفلك والرياضيات والطب والتخاطب والدين والمؤسسات الاجتماعية والمهنية وتنظيم العمل وغيرها مما يحتذى به اليوم. ليس هذا فحسب بل تسبب هذا التجفيف بقتل الحيوانات المائية والبرية والنباتيه خاصة نخيل العراق المعروف بجودة انواعه في العالم.

ولقد امتد ظلم (صدام) الى البلدان المجاورة كما وانه خلق للعراق عداءاً مع معظم الدول العربية و غير العربية ولم يعتني الا ببعض المرتزقة والشراذم من الذين اشبع بطونهم ونفخ (كروشهم) من كوبونات النفط واموال الجياع واليتامى والمشردين من ابناء العراق. حتى اصبح هؤلاء المنافقين يتاجرون باطفال العراق الذين كان صدام يشييع جثثهم بالجملة في شوارع بغداد فصار هؤلاء المنافقين يتاجرون بما كان يعرف (بفك الحصار) وذلك باستئجارهم لطائرات (جارتر) او تاجير باصات تجوب البلدان وهي تجمع الاموال بطريقها وبعد الوصول الى بغداد يتضاعف لها الاجر اضعاف مضاعفة علاوة على سرقتهم لنفط العراق بالجملة. اضف الى ذلك اغداق صدام على بعض دول الاعراب بالنفط المجاني لمجرد الحصول على بعض التأييد الاعلامي له.

لقد أهدر (صدام حسن مجيد) ثروات العراق ودمر اقتصاده وقتل اهله وفسخ عراه الاجتماعية و أوقعه في أيدي الاحتلال والارهاب والتشرذم بينما هرب هو ذليلا جباناً في احقر حفرة عرفها التاريخ. لم يكن العراق بلداً فقيراً بل كان بلداً غنياً بموارده النفطية والمائية والزراعية اضافة الى المعادن والتمور والسياحة الدينية وغير الدينية. اضف الى ذلك فان العراق يمتلك من الطاقات البشرية التي تعمل بجد والعقول المبدعة التي حتى وهي تحت طائلة الدكتاتورية والتعسف والحصار استطاعت ان تبني افضل انظمة في المنطقة خاصة بالتعليم والصحة والبناء.

كان يمكن للعراق ان يكون افضل بلدان منطقة الشرق الاوسط من كافة النواحي وخاصة بالنسبة الى المستوى المعيشي للفرد حتى مع وجود (دكتاتور) لو كان هذا الدكتاتور غير ظالم ولا متعسف ولا قاتل ولم يزج البلد بحروب متتالية. وان ذلك ليس غريباً اذا ما عرفنا بان الانظمة الخليجية (امثال مشايخ النفط) هي كلها انظمة دكتاتورية ولكنها لم تقم بما قام به صدام فاستغلت مواردها التي تعتبر محدودة بالنسبة لموارد وحضارة العراق وتمتعت بهذه الموارد ولم تحرم شعوبها من ذلك التمتع فلم تضطرها للنزوح ولا للمعارضة ولا ماشابه ذلك.

ان صدام كعصابة وليس كشخص قد دمر العراق بكل معنى الكلمة وبشكل لايمكن حصره بين دفتي المئات من المجلدات وليس مقالة كهذه وعليه فان العراق وبالتخلص من صدام سيدخل مرحلة يمكن تسميتها بمرحلة مابعد صدام او (العراق بدون وجود صدام) بحيث يمكن القول بانها ستكون بداية الطريق لزوال الخوف والرعب والظلم وبناء عراق جديد مختلف تماماً عن العراق تحت الكابوس الصدامي. ولكن ومع هذا يجب ان لاينسى العراق ما فعله به صدام ويجب ان تستمر محاكمات صدام دون وجوده ولكن مع الذين ساعدوه على القتل والظلم والدكتاتورية من امثال (علي حسن مجيد) وغيرهم. قد لانرى (صدام) في جلسات المحكمة القادمة ولكن يجب ان يحاكم باعوانه وعن كافة الجرائم الاخرى دون اهمال أي منها.

أن صدام كابوس مرعب لم تبقى له سوى ساعات اخيرة لينتهي و بلا رجعة.

This page is powered by Blogger. Isn't yours?Site Meter