الحكم على صدام درس واتعاض لكل فرد
ان حكم الاعدام على صدام وتوقع تنفيذه بعد الاسابيع السته القادمة هو نتيجة حتمية تقل بكثير عما فعله هذا الدكتاتور الطاغية من ظلم بحق الشعب العراقي وبعض شعوب المنطقة الاخرى. ولم يسلم من ظلم وطغيان صدام حتى حزب البعث نفسه. فقد صدر الحكم بخصوص قضية واحدة فقط لاتمثل الا نقطة في بحر من جرائم هذا الطاغية. وان هذا البحر من الجرائم ما هو الا الجزء الظاهر فوق سطح الماء للعيان وما خفي تحت السطح اكثر. فلم يسلم من اجرام صدام حتى بناته اللواتي يدافعن عنه ولا اقرب المقربين له.
لقد امتلك صدام (شخصية سايكوباثية) معقدة قل مثيلها. لم يكن صدام مصاباً بداء العظمة وعقدة الحقارة والنزعة السادية فحسب بل كانت تجتمع لديه صفات غاية في التعقيد يمكن ان نطلق عليها تسمية جديدة في علم النفس هي (الشخصية الصدامية) بفتح الصاد مرة وكسرها مرة اخرى وفي كلا الحالين يكون المعنى واحداً اي التصادم او الذي يصدم الاخرين بمصيبة او شر او سوء.
ومن الجدير بالشعب العراقي ان يتوقف لحظة ليحاكم نفسه قبل ان يحاكم فمحكمة صدام وحكم الاعدام عليه لايمكن ان ينهي زمن التسلط والدكتاتورية والظلم الا اذا حاكم العراقييون انفسهم عن الاخطاء التي ارتكبوها ايام صدام.
{إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ} (11) سورة الرعد
لقد كان العراقييون (ليس كلهم ولكن غالبية الشعب) لقد كانوا يكرهون صدام سراً ويصفقون له علناً بل وهم الذين خلقوا منه دكتاتوراً متسلطاً. نعم انه حكم بالنار والحديد ولكن الشعب رضخ عندما زج في حرب مع ايران ومن ثم مع الكويت وبعد ذلك تحت اذلال الحصار ومطرقة صدام. ومن اهم الاسباب التي ادت الى ذلك هو عدم توحد كلمة العراقيين وكثرة النفاق على بعضهم البعض حتى ان الجار كان ينافق على جاره لكي يزجه في (الجيش الشعبي) ليخلص هو منه او يحسد وينافق على الذي لم يتم ارساله الى جبهات القتال ويفتعل له المشاكل. ولم يسلم الجهاز الحزبي من نفس الاساليب النفاقية بل ولقد تم اعدام العديد من كوادر حزب البعث بناءاً على تقارير كيدية فقط رفعت من رفاق لهم. لقد قيل للحسين بن علي (ع) وهو في طريقه الى العراق قيل له عن اهل العراق: ان قلوبهم مع الحسين وسيوفهم مع بن زياد. ثم جائت ثورة (المختار) وسميت بثورة التوابيين وصاروا معه. ولولا تدخل امريكا ودخولها في العراق بارادة الهية (يجهلها الكثيرون) لبقي صدام وجاء بعده ابنائه ولبقي العراقيون يصفقون لهم ويعينونهم على التسلط ولكن شائت ارادة الله غير ما يشاء الانسان. ان مابعد الحكم على صدام هو محاسبة العراقيين لانفسهم لكي لايخلقوا دكتاتوراً اخر فالدكتاتور تخلقه الشعوب ليمارس هو فيها مايشاء.
فان نهاية صدام بالنسبة للعراق يجب ان تكون بداية حقيقية للتحرر من الظلم والعبودية ومحاسبة النفس وتقبل النقد البناء واحترام الراي الاخر والوقوف مع بعظهم البعض ضد القهر والاستبداد. اما بالنسبة للحكام فهي عبرة في غاية الاهمية ودرس يجب ان يعتبر به ومنه كل حاكم لايحترم شعبه او يتسلط عليهم او على جزء منهم. وهو درس لكل فرد لأن الذي يقوم بجريمة مهما كانت صغيرة او كبيرة لايمكن ان تمر دون عقاب مهما كانت قوة وامكانات هذا الفرد فسيسلط الله عليه من يقهره ولعل هذا القهر يكون بقوة هائلة مثل امريكا او فيروس صغير يدخل الى جسمه من حيث يشاء ودون ان يستطيع رده او علاجه. ولحساب الاخرة اشد وطأة واعظم عقابا.
{وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ} (61) سورة يونس
{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ} (3) سورة سبأ
{فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ. وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} (8-7) سورة الزلزلة }
ان الله يمهل ولايهمل فاتعضوا ياألو الالباب من مصير صدام رغم ما كان يمتلك من قوة اجهزة امنية وحزبية وعسكرية ومالية واسناد كبير جداً من قبل جماعات منتفعة في الخارج فان ذلك لم ينفعه في الدنيا عندما شاء الله وسوف يكون حساب الاخرة اشد.
<< Home