بسم الله الرحمن الرحيم

مهزلة جلسات محكمة جرائم الانفال


عندما كان القاضي (رزكار محمد امين) رأيساً للمحكمة الجنائية في قضية (الدجيل) لم يتهمه احد بالانحياز او عدم الكفاءة بل قامت عليه ضجة كبيرة بسبب تراخيه وقلة حزمه لمنع المتهمين من تمرير خطب سياسية خلال جلسات المحكمة. ولقد كان القاضي رزكار فعلاً يتصف بالاخلاق المهنية العالية مما دعاه الى التنحي وفتح المجال امام غيره من القضاة لتولي المسؤولية.

اما في قضية (الانفال) فقد ظهر القاضي (عبد الله العامري) ذو خبرة لاتتعدى حدود قضايا بسيطة لايمكن ان تمنحه القابلية على ادارة جلسات تتعلق بقضية كبيرة تتعلق بجرائم ابادة جماعية و اسلحة محرمة وقد اعترف هو بذلك عدة مرات من خلال كلامه حتى بوصفه المتهمين بانهم يعرفون اكثر منه في امور تعتبر من المعارف العامة. علماً بان القاضي يجب ان لايتحمل وزر قضية ان لم يكن لديه ثقافة ومعلومات عامة تتعلق على الاقل بالاطار العام للقضية. فهو عندما يقول لهم انتم تعرفون اكثر مني بالشؤون العسكرية واللوجستية يجعل المستمع يشك في ان هذا القاضي لايعرف لماذا يحاكم المتهمين او هل انه يحاكم المشتكين بدلا عنهم لان الامر هو عمليات قتل جماعية حدثت لمدنيين وجدوا في مقابر جماعية وليس عمليات عسكرية لوجستية. فالمراد هو الكشف عن المتسبب بهذه العمليات الابادة الجماعية بعد اثباتها ودور المتهمين في ذلك ان كان لهم دور. ولقد حاول القاضي المذكور بالتغطية على هذا الضعف بوسائل عديدة دون جدوى. فلقد حاول جاهداً بان يظهر بمظهر المسيطر على الامور بما في ذلك تحجيم دور الادعاء العام ولكنه فشل. فمن حيث يشعر اولايشعر كانت تبدو عليه علامات (العجرفة) الواضحة خاصة مع المشتكين. ولقد جعل من جلسات المحكمة مملة وطويلة ورتيبة وذلك باملائه الاجوبة والاسئلة على الكاتب علاوة على الترجمة مما جعله يردد كل سؤال وجواب دون الالتزام بالنص الذي قيل وان كان قانونيا يخلو من التجريح. كان الاجدر به ان يترك الكاتب يحرر الاسئلة والاجوبة بشكل مباشر الا اذا كان هناك امر يستوجب به تداخل القاضي لتعديل الالفاظ.

ورغم سلبيات القاضي (العامري) المهنية المتعلقة باداءه في هذه القضية الا ان الخطأ الاكبر الذي وقع فيه هو تبرأته بشكل لايقبل الشك (صدام حسين) من تهمة (الدكتاتورية) بحيث جعلت من صدام يستغرب ولم يكن يصدق ما سمع من قبل هذا القاضي. ان القاضي مسؤول عن كل كلمة يقولها وكان عليه ان لايسقط تهمة او وصف سواء كان ايجابي او سلبي عن اي متهم. ففي احسن الاحوال عندما يكون (العامري) قد اسقط تهمة الدكتاتورية عن (صدام) فأنه ببساطة اتهم من هم حول (صدام) بخداعه والتطبيل له وصناعة دكتاتور منه عندما قال لصدام (بان الذين من حول الدكتاتور هم الذين يصنعونه). وهنا قد اتهم الشعب العراقي بصناعة الدكتاتور وهي تهمة لاتخلو من الصحة ولكن يجب على القاضي ان يتجرد من كلام كهذا خلال سير المحكمة والا اثيرت حوله الشكوك بالانحياز.

ولم يتسبب (العامري) بالاحراج للمحكمة فحسب بل كان الاحراج جلياً على (القاضي رائد جوحي) عندما اخذ يتهرب من الاجابة على اسئلة الصحفيين المتعلقة بتصريح (العامري) حول تبرئة صدام من الدكتاتورية. فقد وضع تصريح (العامري) المذكور (السيد رائد جوحي) في موقف حرج لايحسد عليه جعله يتهرب من الاجابة بشكل واضح ولكن كان الاجدر به عندما سأله احد الصحفيين حول تفسيره الى معنى كلام (العامري) بتبرأته صدام من الدكتاتورية كان الاجدر برائد جوحي ان يقول للصحفي بانه عليه ان يوجه سؤاله (للعامري) فهم لايستطيع الاجابة نيابة عنه. اضافة الى ذلك فانه قد احرج عندما سأله احدهم (هل ستشطبون كلام العامري هذا؟) وذلك بعد جواب (جوحي) وقوله ان المحكمة يمكن ان تشطب ما هو ليس قانوني رداً على سؤال حول نفس الكلام. فلم يجب (السيد جوحي) بلا او نعم لان كلاهما سيسبب احراجاً له. فاذا قال نعم سيشطب ذلك فانه اعتراف بما لايقبل الشك بانحياز او على الاقل عدم كفاءة القاضي واذا قال لا فانه يضع نفسه كشريك (للعامري) في محتوى ومضمون كلامه وهذا شيء خطير.

ان القاضي (العامري) في موقف خطير وحساس وقد وضع نفسه تحت دائرة الضوء بحيث اصبح من الان فصاعداً يحسب عليه كل كلمة يقولها وهو بذلك قد ضيق الخناق على نفسه في حالة استمراره بتولي جلسات المحكمة. فهو في حالة استمراره على نفس الوتيرة السابقة المتراخية والمنحازة ولو ظاهرياً فانه سيكون في موقف لايحسد عليه. اذ وكما لوح (القاضي رائد جوحي) يمكن هنا (للادعاء العام) ان ينسحب من القضية ولايعود الا في حال تنحي القاضي. وهنا سوف لن يتمكن (العامري) من الاستمرار حتى ولو تولى الامر شخص اخر من الادعاء لان بديل الادعاء سيكون في موقف اقوى من سابقه لاعتبارات معروفة. وان انسحاب الادعاء العام من القضية شرط تنحي القاضي له مايبرره لان القاضي قد تعامل مع الادعاء بشكل تجهمي ويكاد يكون قمعي.

وخلاصة القول فان الشخص الغير عارف والغير مطلع على قضية الانفال لو شاهد او استمع الى جلسات المحكمة فانه سوف يخرج باستنتاج واحد لاغير وهو ان المشتكين هم المتهمين والمتهمين الذين في القفص هم اصحاب الشكوى بل واصحاب الحق وان هيئة الدفاع هي الادعاء الذي يحاكم المشتكين بكونهم خونة لدولة اجنبية هي في حالة حرب مع بلدهم وان هيئة الادعاء ما هي الا للدفاع عن هؤلاء الخونة اما محامي الحق الشخصي فلا دور لهم لانهم لاحق لموكليهم. هكذا تحولت هذه المحكمة المهزلة وقد نجح محامو الدفاع بتحويلها الى هذا المسار سواء بعلم ورضى القاضي او بجره حيث لايشعر ولله في خلقه شؤون

This page is powered by Blogger. Isn't yours?Site Meter