بسم الله الرحمن الرحيم

هل مات الرسول (ص) ام قتل مسموماً؟


لم يكن الرسول يشتكي من اعراض قبيل مرضه الذي توفي فيه ولقد ضهرت عليه اعراض مفاجئة وحادة الله وحده يعلم سببها ولكن لنا ان نتسائل وحسب المعطيات المتوفرة فيما اذا كانت ناتجة عن دس السم له في الطعام بتخطيط مسبق.

علينا اولا ان نكون احراراً في استنباط ونقد الحالة السياسية والاجتماعية السائدة آنذاك دون التقيد بقيود بعض المتخلفين ممن يعتبرون حرية التفكير والنقد لكل ما هو من الماضي غير جائز ويضعون قيوداً تحيط بذلك المجتمع حالة من القدسية التي لم ينزل بها الله من سلطان. بل ان العكس فان الله حث الانسان على التفكير والاستنباط وعدم الركون الى امور جرت عليها عادات وتقاليد ليس لها من الدين صلة بل زقت فيه زقاً لاجل اغراض سياسية او شخصية او سلطوية او قبلية. وتبعاً لذلك جرت تربية الاجيال على امور احيطت بالقدسية الغير قابلة للنقد مما كبل العقول واخرج اجيال لاتعرف الا القهر والاستبداد والقتل والكراهية وقطع الرؤوس. ولم يسلم من ذلك حتى نبي الاسلام الذي ابتلي بالكثير من الجهلة ممن عاصروه ومن الذين جاؤوا بعده والذين شوهوا سمعته وسيرته والله اعلم ان كان القسم من هؤلاء قد تعمد ذلك كما تعمدوا قتله بالتعاون مع اطراف سياسية آنذاك.

ويجب ان يكون من المعلوم باننا لانريد من ذلك التجريح باحد ولكن يجب ان نكون احراراً كما اراد لنا الله وان لانكون كالذين يقولون هذا ما الفينا عليه آباءنا.

ان الذي يتمعن كثيراً بالحالة الاجتماعية والسياسية التي كانت تمر بها المدينة المنورة ومكة المكرمة وباقي مناطق النفوذ القريبة كانت تشهد مخططات غاية في الدقة مابين اطراف خارجية واخرى داخلية ولكل منها اهدافه التي التقت في شيء واحدة بعد بروز قوة الاسلام وتمركز القيادة بيد نبي من بني هاشم. ولقد تحدد الهدف منذ البداية وهو التخلص من هذا النبي بشتى الوسائل وقتله. وعليه فقد تعرض الرسول (ص) الى مؤامرات عديدة مثل مؤامرة (ليلة العقبة بعد تبوك) لقتله الا انها باءت جميعاً بالفشل. وعندما اشتد نفوذ الاسلام وقوته ازداد تحالف الفرقاء سراً على اغتيال الرسول (ص) ولكن يجب ان لاتنتقل ادارة الامور العامة والقيادة من بعده لمن لاتريده هذه الاطراف خوفاً من استمرار الحالة الراهنة التي تراها هي ضد مصالحها ومخططاتها وطبعاً كل حسب مصالحه.

وعلينا ان نفهم جيداً بان الكثير ممن دخلوا الاسلام وخاصة بعد الفتح لم يكن ذلك الا دخول تظاهري بسبب قوة النفوذ الجديد وتماشياً مع الجميع. وهنا ابقى هؤلاء على عادات جاهلية كثيرة ومع تراكم الايام صارت هذه العادات تعد من ضمن الدين! ومن الخطأ ان نتصور بان الدين قد اكتمل تطبيقه على الواقع فهو لم يكتمل بل اكتمل تشريعه وقرانه وجوانبه ولعل اكتمال الدين قد اوقفته العناصر ذات الاغراض الشخصية والقبلية بالقوة لانها احست ان هذا الاكتمال سيدمر طموحاتها نحو تحقيق اهدافها الفردية. وهنا لابد ان نسأل ماذا لو بقي الرسول (ص) حياً لفترة بضعة اشهر او اسابيع قادمة ان يحدث في ذلك الوسط السياسي والاجتماعي المشحون؟ فقد كان هناك جيش قد اعده الرسول (ص) ووضع على قيادته اسامة بن زيد وهو شاب صغير السن. ووضع تحت امرته العديد من الشخصيات البارزة آنذاك مثل عمر بن الخطاب وابو بكر وعثمان وغيرهم. ولقد احس هؤلاء بالانزعاج من ان يكون عليهم رجل شاب كقائد جيش وهم تحت امرته لاسيما قد استثني من ذلك علي بن ابي طالب.

ثم كان هناك صراع بارز على السلطة وظاهر على السطح وتنافس للتقرب من الرسول (ص) للحصول على بعض النفوذ. وهنا يجب قد يعترض البعض ممن اصابهم الهوس بالقدسية الفارغة ويقول بان هذا الكلام لايجوز وان كل هؤلاء كان لايهمه شيء الا الدين وما الى ذلك! وهذا تخلف وجمود عقلي لان اولئك لم يكونوا ملائكة يمشون على الارض بل بشر لايزال عهدهم في الجاهلية وتشرب انفسهم بعاداته قريب. ومن الخطأ القول بان كل ما سلف هو احسن وافضل من الذي يأتي بعده لان ذلك لايستقيم مع العقل والفطرة السليمة ولا مع العدل الالهي. فقد يوجد من هو افضل منا بعد الف سنة من الان وهناك في عصرنا من هو افضل ممن كان في عصر الرسول و ممن معه. والقران فيه الكثير مما يؤكد على مجيء اجيال او اقوام افضل من التي سبقتها من المسلمين.

بعد ان باءت كافة محاولات المشركين من الاعراب وممن يساندهم من اغتيال الرسول (ص) او قتله لجأ هؤلاء الى المؤامرات الدنيئة بتجنيد بعض الشخوص لدس السم له في الطعام. ولايخفى ان حادثة دس السم من قبل المرأة اليهودية للرسول (ص) في اللحم هي حادثة معروفة ومثبته بشكل لايقبل الشك. ولكن هذه الحادثة كانت قبل وفاة الرسول (ص) باربع سنوات على الاقل. ومن السذاجة ان نصدق بان السم بقي في دم الرسول (ص) طيلة هذه السنوات ثم استيقض ليحدث فيه تلك الاعراض الحادة قبيل وفاته والتي وصفها هو بنفسه بانها اعراض تسمم ولعه شبهها بالسم الذي دسته تلك المرأة اليهودية.

فمن المعروف بان التسمم يؤدي الى اعراض حادة تسبق التدهور بساعات او ايام لكي تحدث بعدها الوفاة. ولايمكن ان تؤدي جرعة سم واحدة الى اعراض حادة وموت بعد سنينين عديدة.

ان الرسول (ص) لم يكن يعاني من شيء قبيل وفاته بايام وفجأة اخذ يشعر بصداع شديد واصبحت درجة حرارته ترتفع بشكل شديد ثم كان يسيل لعابه قبيل الوفاة واصبح يفقد الوعي تارة ويصحو تارة اخرى ولايقوى على المشي او اسناد جسمه مما يدل على اصابته بوهن عضلي في الجسم كافة. وان هذه الاعراض جميعها تدل على تسمم حاد لايعدو اكثر من بضعة ايام. ولعل الاحداث السياسية والاجتماعية انذاك تفسر سبب الاقدام على ذلك في هذا الوقت بالذات والله اعلم.

ويجدر الاشارة الى ان بعض نساء النبي وممن معه قد عصوا اوامر الرسول (ص) خلال مرضه ومن اهم ذلك العصيان هو مخالفة الرسول الذي طلب منهم عدم (لده) اي وضع الدواء له في فمه فلم يلتزموا بذلك ولدوه!

عن ابن عباس قالت عائشة: لددناه في مرضه فجعل يشير إلينا أن لا تلدوني، فقلنا كراهية المريض للدواء. فلما أفاق قال: ألم أنهكم أن تلدوني؟!
قلنا: كراهية المريض للدواء. فقال: لا يبقى في البيت أحد إلا لد، وأنا أنظر إلا العباس، فإنه لم يشهدكم!! (البخاري ج 7 ص 17)

وقد اعتبر الرسول ذلك الفعل من عمل الشيطان كما جاء في التاريخ:

إنا لنرى برسول الله ذات الجنب فهلموا فلنلده ، فلدوه. فلما أفاق رسول الله قال: (من فعل بي هذا)؟ قالوا: عمك العباس تخوّف أن يكون بك ذات الجنب. فقال رسول الله: (إنها من الشيطان، وما كان الله ليسلطه علي، لا يبقى في البيت أحد إلا لددتموه إلا عمي العباس فإنه لم يشهدكم): (معجم ما استعجم لعبد الله الأندلسي ص 142).

ان الاسلام بعد رسول الله قد انقسم الى جزئين رئيسيين لاسباب عديدة على رأسها الصراع الدنيوي على السلطة والذي تحول بعد سنوات قليلة جداً الى ملك وراثي مما ادى الى استشراء الفساد في قصور مما يعرف بالخلفاء الامويين والعباسيين وولاتهم. واما الاسلام الحقيقي فقد بقي في ثلة قليلة لم يسمح لها بالظهور او ان تأثيرها قد اضمحل امام قوة السلطة الحاكمة ومرتزقتها. ولعل قراءة متأنية وبعيدة عن التعصب والانقياد الاعمى للتأريخ الاسلامي فيما بعد الرسول تعطي دليلا اخر على ان الرسول (ص) يمكن ان يكون قد قتل مسموماً قبيل ايام او ساعات من وفاته والله اعلم.

This page is powered by Blogger. Isn't yours?Site Meter