بسم الله الرحمن الرحيم

ملاحظات مهمة جداً حول المحكمة الجنائية الخاصة بصدام


لم نبالغ اذا استنتجنا من خلال محاكمة الطاغية صدام وزبانيته بان القضاء العراقي تنقصه الخبرة في التعامل مع المجرمين الكبار وانه بحاجة الى التفريق بين الديمقراطية وبين القضاء الحازم. ندرج ادناه بعض الامور المهمة والمستندة على البحث الموضوعي والتحليل النفسي من خلال مجريات الجلسات الخمسة الماضية.

بينت جلسات المحكمة الجنائية الخاصة بمحاكمة المجرم صدام واعوانه بأن هناك ضعف كبير في اداء هذه المحكمة مما تسبب بتعرض قاضيها وهيئة المحكمة الى تطاول وأهانات من قبل المتهمين وخاصة (برزان التكريتي وصدام التكريتي).

ان اول الامور المهمة التي يجب الاشارة اليها هو تقبل (القاضي رزكار) الى قيام المتهمين بمدحه عدة مرات وهذا مخالف بشكل كبير الى المواد المعمول بها في القضاء المحلي والدولي. فالقاضي يجب ان يمنع المتهم من التعرض للمحكمة او القيام بمدح احد اعضائها خاصة اذا كان ذلك يتعلق بمدح شخصه وهذا في القضاء العالمي يعتبر (كفر) لايجوز الاقتراب منه ابداً. وهو امر مهم جداً قد تقبله القاضي بسكوته فأنه كان يجب عليه ان يوقف المتهمين عندما يشرعون بالمديح او الاهانة وخاصة المديح او الاطراء. وقد صارت المحكمة محل استهزاء وسخرية بسبب هذا الضعف. فلقد عمد صدام الى كيل الاطراء على القاضي رزكار عدة مرات وحاول مرة واحدة على الاقل بانتقاد القاضي الذي يجلس الى جنبه او التشكيك به. كما ولقد ادى تجاوز المتهمين المتكرر على الشهود والمحكمة والحضور الى ان يقوم (برزان) بالتعرض الواضح والصريح عدة مرات على (هيئة الادعاء) التي بدت متراخية هي الاخرى.

لقد استخدم المتهمون وخاصة (برزان وصدام) كلمات بذيئة ضد المشتكين دون ان يوقفهم القاضي (رزكار) بينما كان متشدداً مع الشهود! فقد وصف برزان وصدام الشهود بكلمات بذيئة مثل (ياولد) و (صعلوك) و (هؤلاء الاذناب) و (الى جهنم وبئس المصير) و (كذاب) و (ملقن) و (حقير) و (كلب) و غير ذلك. ولقد وجه (برزان) تهديدات واضحة بالقتل ضد (الشهود والمشتكين) مثل قوله (بان اهل الدجيل يعرفون بانه في الدجيل من يضربهم بالمكوار بين عيونهم!) واستخدامهم للقران الكريم بالتهديد بالقتل مثل (وقاتلوهم) و استخدام القران للتعرض الى الشهود. والطلب من القاضي بمنع هؤلاء الشهود لانهم لايرتقون الى المنزلة التي هم بها اي صدام وبرزان والعجيب ان القاضي لم يرد على ذلك!

فلقد اثار تغاضي القاضي عن (المجرم طاه آسن الجزراوي) بتعرضه للشاهد بوصفه (فاسق) استغراب الكثير. أذ لم ينتبه القاضي رزكار الى هذا التضمين وهذا ربما يفسر على انه ضعف في التركيز والمتابعة او التغاضي الغير مبرر. أذ كان يجدر بالقاضي ان يوقف اي متهم يستخدم القران او الامثال الشعبية او ماشابه خاصة اذا شعر بأن ذلك يتضمن تجريح او احراج مقصود. كما وان حرمة القران ككتاب مقدس تقتضي عدم استخدامه للتجريح والايحاء والتبرير وهذا ما حصل عدة مرات فعلاً. فالجزراوي قال (اذا جائكم فاسق بنبأ) وهذا مقصود على الشهود ولم يعترض عليه القاضي ويوقفه عند حده. فهو يوصف المشتكين بانهم (فسقة) وكان الاجدر بالقاضي ان يمنعه من استخدام القران للتجريح لان ذلك يمس بصميم القران وهذا لايجوز وهو ليس اعتداء على المشتكين فقط بل على حرمة القران باستخدامه بما لايليق به ككتاب مقدس وينطبق نفس الشيء على صدام.

والشيء المهم الاخر هو ان كل قاضي يحكم في قضية يجب ان يكون ملماً بلغة اهلها الفصحى واللهجة العامية بشكل جيد وهذا ما لم يحصل للاسف. فمن المفترض على الاقل ان يكون القاضي ملم جداً بالمصطلحات العراقية. ولقد شاهدنا بأن القاضي تلكأ بفهم بعض المصطلحات مثل (كلمة نشد) اي (سأل) عندما ذكرها احد المشتكين الشهود وهي مصطلح عراقي شائع وهذا يؤخذ على القاضي الذي تلكأ حتى باستخدام اللغة العربية بشكل صحيح وبترديد القسم للمشتكي. وهذا ضعف يجب ان لايكون بمحكمة عادية فما بالك بمحكمة بخصوص جرائم كبيرة.

والامر المهم الاخر هو أن القاضي كان يستمع الى (المتهم صدام) وهو يذكره بانه رئيسه وانه له فضل عليه وعلى القضاء لكي يحول مسار المحكمة الى مسار سياسي وهو ساكت, بينما يحول (برزان) المسار الى شكوى من ضروفه الصحية وضروف السجن عند الاعتقال وهذا ليس له دخل في هدف الجلسة لامن بعيد ولا من قريب. والاغرب من ذلك فأن القاضي يتقبل ذلك منه بل ويدخل معه بحديث حول ذلك كالقول له بالمناسبة فلقد حصلنا على ان يتم فحصك من قبل لجنة طبية وما الى ذلك. والاجدر هو ان يقول له القاضي هذا الامر يناقش خارج هذه الجلسة فليس له علاقة بالجلسة. والاهم هو ان (برزان) استطاع ان يحول المحكمة الى الاستماع اليه (كضحية وليس كمتهم) وكذلك فعل صدام. بحيث عمد برزان وصدام الى تصوير الامر بانهم ضحايا السجن والعطش والمرض والحر وبايدي الامريكان لكي يعطون انطباع الى ان المحكمة تجري تحت رعاية امريكية لان السجان هو امريكي. ففي الجلسة الاخيرة اشار برزان الى ذلك اكثر من مرة وصور بان مأساته هي امر واقسى من مأساة المشتكين! وهذا تدليس سمح به القاضي دون ان يحاول ايقافه.

والامر الاخر المهم جداً هو ان القاضي (و مع سكوت واسترخاء الادعاء للاسف!) لم يكن حدياً و جازماً لمنع (محامي الدفاع) من استجواب المشتكين باستخدام اسلوب نفسي مع المشتكي يسمى في علم النفس (النبش في اعماق النفس لاعادة حالة خوف سابقة اليها)! ولكي نوضح ذلك فأن العراقيين يعرفون جيداً مدى الخوف الذي زرعه صدام في نفوسهم فلم يكن اسمه يذكر الا وكلمة (السيد الرئيس) تسبقه وكم كان ذلك مرعباً للعراقيين. وهنا يعمد (خليس الدليمي) محامي دفاع المجرم صدام باستخدام (الايحاء بالاستجابة الشرطية او ما يسمى بايحاء بافلوف) وذلك بأن يسأل المشتكي قائلاً له: هل تعرف من الذي قام بضرب "السيد الرئيس"؟ او هل شاهدت (السيد الرئيس) في الدجيل او؟ اين كنت عندما تعرض (السيد الرئيس) للضرب؟ وهذه اسئلة تجعل من المشتكي او الشاهد الذي كان قد تعرض الى ظلم وسوء معاملة وتعذيب وضغوط نفسية على مدى سنوات طويلة تجعله بشكل لا أرادي ومن داخل نفسه الباطنة التي تشبعت بالخوف من هذا الرديف يفكر وكأنه يستجوب وليس يشهد او يشتكي مما يجعله يجيب استناداً الى الخوف الذي يوجد في داخل وعيه الباطن. وهذا اسلوب نفسي تستخدمه اجهزة التحقيق المخابراتية التي قد يتلقى منها هذا المحامي بعض الاسناد ان لم يكن هو منتمياً اليها. والغريب في الامر فان ذلك قد عبر على (القاضي رزكار وعلى هيئة الادعاء ومساعدي القاضي). وهو حتى لو عبر عليهم كان من المفروض ان يطلب القاضي من محامي الدفاع ان لاتكون اسئلتهم وطريقة كلامهم متعسفة او مهينة لشخصية المشتكي او الشاهد وان لايستخدموا عناوين وضيفية للمتهمين وكأن المشتكي لايزال يقف بين يدي (الدكتاتور صدام). فأن هذا ايحاء بالتخويف. اضف الى ذلك فأن محامي الدفاع يعمدون الى وصف المشتكين باوصاف وعبارات مهينه بشكل مباشر وغير مباشر وتحسسه بانه شخص ضعيف مثل وصفهم له بانه قد لقن او انه انسان بسيط او فلاح او غيرها من الاساليب التي تنتقص منه فهناك عبارات ظاهرها ايجابي ومعناها سلبي مثل قولهم ان ذاكرته تبدو قوية وباسلوب متهكم! هذا كان يجب ان يمنعه القاضي ولو حصل ذلك في اي بلد اخر فانه لايسمح به القاضي.

ومن الامور المهمة والعادية جداً التي لم يفعلها القاضي هو حق المشتكي بان يعرف من الذي يسأله! فعندما يتقدم محامي الدفاع او الادعاء يجب ان يقدم نفسه باسمه وصفته ومن هو موكله في بداية كلامه او ان يقوم القاضي نفسه باعلام المشتكي او الشاهد بهوية الشخص الذي سيسأله. فلقد كان المشتكي يجيب على الاسئلة وهو لايعرف من السائل واي متهم يمثل!

ومن الامور المهمة هو ضعف اسئلة محامي الدفاع بسبب افلاسهم امام قوة الادلة بحيث كانت ادعاءاتهم لاتمثل الا ادانة ضد موكليهم. فمثلاً هم يقولون للمحكمة بأن المشتكي لايعتد بشهادته لانه قاصر! وكم كان بودنا لو أن احد هؤلاء المشتكين يردون على هؤلاء بقولهم (اذن من فمك ادينك, فانت تدين موكلك لانني اذا كنت قاصراً كان يجب ان لا اعتقل واعذب وتمارس ضدي اصناف الضغوط).

ولابد ان نشير الى ان الادعاء كان متراخياً يقف ضعيفاً امام هذا القاضي الذي يبدو عليه وكأنه قد جاء من فرنسا او تركيا مثلاً ولم يكن موجوداً وشاهداً على ظلم هذا النظام واجحافه. فهو لاينفك يردد على اسماع المشتكين (خليك في قضية الدجيل!) ولا يسأل المتهمين عندما يعرضون طلباتهم الشخصية بنفس الشيء. والغريب ان القاضي لايفهم بأن قضية الدجيل بين اهالي الدجيل من ضحايا النظام وبين هذه العصابة هي مسألة الحياة كلها وليس مسألة يوم او سنة او تكون قد انتهت بمجرد خروجهم من السجن. فأين تعلم هذا القاضي خبرته في القضاء وهو لايعرف بأن لكل قضية امتدادات واثار هذا اذا ماكانت قضية بسيطة فكيف وان اهالي الدجيل كتب عليهم النظام البقاء تحت الاضطهاد وملاحقتهم في كل زمان ومكان. ان على هذا القاضي واجب اثبات فيما اذا كان المتهمين بما يمثلونه من سلطة تعسفية قد استمروا بملاحقة اهالي الدجيل ام انهم توقفوا بعد خروجهم من السجن. وان ما اراد ان يوضحه المشتكين له عندما اوقفهم هو ان (صدام) ومن معه لم ينفكوا يلاحقونهم حتى اخر لحضة سقط بها النظام بعد هرب قائده امام المحتلين. ان هذا القاضي عندما يقول (خليك في قضية الدجيل) وكأنه يحاكم المشتكي بصلته بضرب (السيد الرئيس!). وان على القاضي رزكار ان يسأل الشعب العراقي كله السؤال التالي:
كيف اثرت عليكم احداث الدجيل؟ لان ما فعله النظام في الدجيل من تدمير للحرث والبشر والنسل زرع الرعب والخوف والضغوط النفسية في نفوس كافة العراقيين. فهل من الغباء ان تقتصر قضية الدجيل على 4 سنوات خرج بها الموقوفون وعادوا الى دورهم معززين مكرمين! ما هذا الكلام الفارغ من قبل قاضي يضغط على المشتكي بان يختصر قوله في قضية ضرب (صدام). ان هذه سخرية وكلام فارغ وهراء وليس قضاء لديه خبرة ويعرف بسايكلوجية الامور وتشعباتها. فباختصار شديد ان قضية الدجيل لم تقتصر على سنوات بل استمرت الى يومنا هذا وهي لم تقتصر على اهل الدجيل بل شملت العراق كله.

واخيراً فان السماح لمرتزقة اجانب الحضور الى جلسات المحكمة لان جيوبهم قد ملئت بالدولارات ولانهم من الذين يعانون من (البارونويا) وطلباً للشهرة كان مهزلة اخرى خاصة اذا ما قام احد اعوان النظام باغتيال احدهما او كلاهما لاثارة ضجة ضد اهالي الضحايا بانهم قتلوهما. ومن يدري فالعراق مليء بالعبوات المتفجرة والسيارات المفخخة والقناصة وحتى الالغام الارضية و (القطري النعيصي وصاحبه المتحدر حسب قانون دارون من فصيلة القرود المدعو رافس كاروك) لايخفون على احد وهناك من يعرف بان هؤلاء حصلوا على ملايين الدولارات لحضور المحاكمة فمن يدري لعلهم يختطفون من قبل فقراء العراق وذلك لطلب مليون او مليونيين دولار كفدية.

ان المحكمة يجب ان تعيد النظر بامور كثيرة جداً وعلى العراقيين ان يضغطوا على هذا الاساس وان يتبرع جميع العراقيين الشرفاء من المختصين بالقانون والقضاء والمحاماة وعلم النفس وعلم الجريمة بالتعاون مع اهالي الضحايا وتوفير الدعم لهم وتقديم النصح والمشورة والخدمات المجانية لهم ودعمهم بكافة الوسائل.

وعاش الابطال من اهالي الدجيل الشرفاء ونقول لهم بان الله هو الذي اذل لهم المجرمين وسيكون ذلهم اكثر يوم لاينفع مال ولابنون, يوم يقف من يدافع عن المجرمين اليوم معه في نفس القفص الذي سيكون الحاكم فيه هو الله وهل بعد الله من قوي عزيز مقتدر متكبر جبار عادل شديد العقاب, يوم لايتكلم احد الا من اذن الله له في ذلك يوم تبلى السرائر. و في ذلك اليوم سوف تشهد الجلود والارجل وتنطق بأذن الله الذي انطق كل شيء. في ذلك اليوم سوف يأتي الله بكل شيء وكل عمل حتى ولو كان مثقال حبة من خردل وتكن في صخرة في الارض او في السماء يأتي بها الله. في ذلك اليوم يعض الظالم على يديه ويقول ياليتني كنت ترابا. في ذلك اليوم لاتوجد (عنتريات) ولامرافعات لان عمل كل فرد سوف يعرضه الله على الخلائق ليس بالقرص ولكن بالصوت والصورة واللون والرائحة الطبيعية لان اعمالنا تستنسخ وسيعرضها الله لنا. هناك يوم يقولون ما لهذا الكتاب لم يترك صغيرة ولاكبيرة الا واتى بها. في ذلك اليوم لاينفع برزان ولاصدام دفاع لان المدافعين عنهم سيحشرون معهم حتماً. وان ذلك اليوم كأنه غداً او بعد غد فانتم ترونه بعيداًً ونحن نراه قريبا. هو مابين عمر احدكم ونومةُ ينامها بموته ليقوم بعدها بلحظات يحمل اثقاله على كتفيه حيث لاينفع شيء الا من اتى الله بقلبٍ سليم.

This page is powered by Blogger. Isn't yours?Site Meter