بسم الله الرحمن الرحيم

دكتاتوريات القصور ليست ديمقراطية


اصيبت الشعوب العربية بأمراض اجتماعية خطيرة من جراء السياسات التعسفية لحكوماتها الحديثة والقديمة وكان نصيب الشعب العراقي من هذه الامراض فادحاً. فلقد عانى هذا الشعب من ويلات الحروب والتعسف والسياسات الطائفية والحصار على مدى العصور القديمة والحديثة. ومن ابغض الهجمات التي تعرض ويتعرض لها هذا الشعب هي تلك التي قام ويقوم بها الاعراب من الغجر الوهابيين الذين لم يفهموا الدين الا بمعاني املتها عليهم طبيعتهم وعاداتهم وتقاليدهم الجلفة والغير متحضرة. فما لم يتناسب من الدين مع تلك العادات رفضوه وقاموا بتحوير الكثير من تعاليم الدين لكي تتماشى مع ما يعتقدون به او مع ما يريده حكامهم من بني أمية ومن تبعهم. وقد انتخب الاعراب لذلك الكثير من ملالي الدين المنافقين الذين لايتعدى دورهم كونهم عرابين للحكام لاستعباد الشعوب. ولم ينتهي هذا الحال بل استمر حتى عصرنا الحاضر واستبدل الحكام بالاحزاب السياسية الدينية التي صار لها عرابوها من الملالي طلباً للجاه والمال مقابل التملق والنفاق والنعيق.

وكلما كانت الحروب والسياسات التعسفية اكبر كلما ارتفعت نسبة الفقر والجهل والفساد الاجتماعي والنفاق والتملق. وللاسف فان نصيب العراق من ذلك كبير جداً. وهنا لابد ان نشير الى أن الشعوب تقع عليها المسؤولية الرئيسية في تحديد معالم حياتها وسياسات حكامها (كيفما كنتم يولى عليكم).

ان الفرق بين الانسان الواعي والجاهل هو ان الاول يضع الشيء في مكانه الصحيح ما تمكن على ذلك بينما يعبث الثاني به حسب امكانيته العقلية. فكلما كان جهله اكبر كلما اصبح خطأه اخطر وأشمل. أن الشعوب التي تتخذ التملق والنعيق مع كل ناعق وسيلة لها لايمكن ان تنجح او تتقدم. وعليه فأن نجاح الشعب العراقي في رسم مستقبل ديمقراطي وحر يعتمد على تخلي كافة عناصره البشرية عن النفاق والتملق الفارغ لهذا الشخص او ذلك الحزب بسبب المنصب او السلطة. وهنا يمكن للشعب أن يعزل ويسقط كل مسؤول يتمسك بسياسة التملق والنفاق ولايرفضها. وللانتخابات الحرة دور مهم في تحطيم التملق بل وعكس صورته بجعل الحاكم هو الذي يريد رضى الشعب عنه وليس العكس الحاصل عند كافة الشعوب الاعرابية. ان على الانسان العراقي ان يتعلم بأن لايعطي صوته بناءاً على الطائفية او المذهبية او تسيس الدين بل استناداً على الكفاءة والخبرة وخدمة العراق بشكل يجعله يسير على خطى التقدم الاقتصادي والعلمي والثقافي والاجتماعي وغير ذلك مما يوفر للمواطن الامن والسلام والرفاه الاقتصادي والتطور. أذ لايمكن ان يحدث التطور الا اذا اعتمدت الخبرة والكفاءة وتكافؤ الفرص والتنافس الحر الشريف والقبول بالرأي الاخر دون الاضرار المادي والنفسي والمهني.

أن المؤشرات الحالية والمتغيرات التي حصلت في الشعب العراقي خلال السنتين الاخيرتين بعد هروب الطاغية وسقوط حكمه الاستبدادي متناقضة ولايمكن الاعتماد عليها لتحديد ملامح المرحلة المقبلة ألا أن هناك ما يدعو الى التفاؤل وهناك ما يدعو الى التشاؤم. أن اهم شيء يحدد نجاح الشعب العراقي او فشله هو مقدرته على تلافي تكوين دكتاتوريات متداخلة على انقاض الدكتاتورية المطلقة وضنه بشكل خاطيء بأن هذه الدكتاتوريات تمثل الديمقراطية المنشودة. أن هذا المسار الذي يجري حالياً هو احد الاسباب التي تدعو الى التشاؤم. ونحن نشير الى ذلك اليوم لكي نخدم به المستقبل على قاعدة (الوقاية خير من العلاج) او (العلاج المبكر خير من الاستئصال المتأخر).

اننا لانريد ان نشير بالتحديد الى اسماء ومسميات بعناوينها ولكن هناك اساليب نفاق وتملق وخلق دكتاتوريات متداخلة وانبراء بعض من الذين خلقوا الدكتاتورية السابقة لخلق تلك الدكتاتوريات التي تتربع على دوائر الدولة من القمة الى القواعد. وقد امست هذه الدكتاتوريات تفرض على الناس طريقة عيشها وبالتفاصيل وبالشكل الذي تريده هي وحسب معتقداتها. اننا نرى اليوم نفس الذين نعقوا للنظام السابق ينعقون لغيره من العديد من (النظيمات) التي تتربع على عروش لا يتشرف الكثير من الناس الواعين بالجلوس عليها. فهناك الكثير ممن كان يرتدي البدلة الزيتونية والمسدس صار يرتدي العمامة ولاتفارق يديه المسبحة! ونفس الذين صفقوا لصدام وامتدحوه لم يتعلموا درساً بل راحوا يصفقون لغيره ويخلقون منه دكتاتوراً بزي جديد. ولو كان هذا الدكتاتور الصغير الجديد لايرغب بالتملق اليه لطلب عدم فعل ذلك.

ان على الشعب العراقي اذا اراد ان يتقدم ويمارس ديمقراطية حقيقية ان لايخلق دكتاتوريات متداخلة وان لايصوت الا لمن يرى بانه يوفر له التقدم والرقي والرفاه. وأن يرفض كل نعيق اونفاق اوتملق ومن ينادي لذلك او بذلك. أن الديمقراطية قوة وتقدم ورفاه اذا ما احسن استخدامها وتم تبني صيغتها الحقيقية.

أن الديمقراطية لاتأتي بالاستيلاء على قصور الطاغية والجلوس فيها لاستقبال الضيوف واطلاق الخطب الرنانة هنا وهناك بينما الشعب يقتله الارهاب وتمزقه الطائفية وينخر فيه الفساد ويستشري فيه الجهل وتستفحل فيه الجريمة وتنتهب خيراته وتهجر عقوله ويعتصر قلوب ابناءه الخيرين الالم عندما يرون الجيوش الاجنبية تجوب شوارعه. أن هذه القصور ما كانت الا وصمة عار بنيت والشعب يموت جوعاً وارتفعت جدرانها وكرامة العراق تداس تحت اقدام المفتشين الدوليين السفلة. أن الشعب العراقي ينظر الى هذه القصور بازدراء والى كل من يسكنها باستصغار واحتقار. فالشعب بحاجة الى من يقف معه في خندق الموت وليس من يغلق عليه ابواب القصور ويكثر من حراسها تاركاً حدود العراق الغربية والشرقية والجنوبية والشمالية تنتهك حرماتها ويدخل منها المجرمون والقتلة والارهابيون والتكفيريون من شذاذ الافاق بمعدل (200 صرصور) في الشهر الواحد فقط من سوريا والسعودية ناهيك عن ايران والكويت وباقي جوقة الاعراب النتنة لكي يقتلوا الاطفال ويغتصبوا النساء ويدمروا البلاد في الشوارع ومواقف السيارات العامة ودور العبادة والبيوت.

أن قتلهم العراقيين في (مأراب النهضة) اليوم ان دل على شيء فأنما يدل على تفاهة الفكر الاجرامي الذي يعشعش في صدور هؤلاء القتلة التي تخجل منه حتى صراصير القاذورات النتنة. والمؤسف ان الذين تمترسوا في (القصور الصدامية) الحقيرة لم يكلفوا انفسهم بزيارة (كراج) النهضة او حتى المستشفيات للاطلاع والمشاركة في هذا المصاب الكبير وهذه الجريمة العفنة. عندما حدثت تفجيرات لندن هبت وزارة الداخلية والامن البريطاني وما ان انقضت ايام حتى تم القاء القبض على بعض الارهابيين وتم التعرف على الاخرين. وفي العراق لم نسمع لحد الان عن المتسببين بالتفجيرات السابقة ولم يتم اعدام أحد ممن قيل بانهم اشتركوا في الارهاب. الا تستحق جريمة النهضة اليوم ان يكون رئيس الوزراء ووزير داخليته ووارثي (القصور الصدامية) بالوقوف مع العراقيين في داخل (الكراج) وهل تم تشكيل خلية تحقيق خاصة فقط بالتحقيق بهذه الجريمة حتى تتكشف خيوطها ام ان الدم العراقي وارواح العراقيين قد رخصت الى هذا الحد؟!

أخرجوا من قصور الضيافة الصدامية والا فما الفرق بينكم وبين صدام؟! وليبدأ العراق باعدام المجرمين حسب القضاء واذا كان الدم العراقي ليس رخيصاً فليتم محاسبة الدول التي تمول الارهاب والتقدم بشكوى عليها في المحافل الدولية كدول ممولة للارهاب في العراق. وعلى سبيل المثال سوريا والسعودية بواسطة ملالي الوهابية ومموليها ومجموعاتها. وعلى صعيد اخر فان قسم من الاعراب يساندون الارهاب في العراق بافواههم العفنة تحت مسميات المقاومة فان على العراقيين ان لايقفوا مع هؤلاء بقضاياهم واتباع معادلة (عدو عدوي صديقي).

أن الزمن هو زمن الخروج من القصور المحصنة الى (كراج النهضة) لقطع دابر الارهاب وهو زمن سحق هذا الارهاب ليس بالتنديد ولكن بالعمل الجاد والشفافية مع الشعب بكشف المجرمين وسحقهم
.

This page is powered by Blogger. Isn't yours?Site Meter