بسم الله الرحمن الرحيم

البلد الذي يخاف فيه القاضي من الجاني لاخير فيه


هناك اشياء كثيرة تغيب عن العراق اليوم وجميعها بسبب السياسات الفردية التعسفية التي بها اوصل الطاغية صدام ومرتزقته العراق لما هو عليه الان. ومن هذه هذه الامور التي تغيب عن العراق بشكل يكاد يكون كامل هو غياب قانون العقوبات وخاصة ضد الجرائم التي تخص الامن الوطني والاجتماعي

أن قانون العقوبات في اي مجتمع هو عبارة عن صمام امان يمنع انتشار الجريمة وبذلك يحمي المجتمع ويوفر له المناخ الصحيح للعيش بحرية وسلام. ولكي يكون اي قانون فعالاً لابد ان يكون له تحقيق فعلي على ارض الواقع اي ان يكون مطبقاً بشكل معروف وواضح لدى الجميع. و طبقاً للدراسات والبحوث الانسانية التي اجريت في علم النفس الاجتماعي وعلم مكافحة الجريمة فان الانسان مخلوق يحتاج الى قوانين تحد من تمدد نفسه الشريرة. ولم يقتصر الامر على البحوث والدراسات بل ان كافة الاديان السماوية وبضمنها الاسلام وضعت قوانين وشرائع لمنع اتشار الجريمة و حثت على تطبيقها دون ادنى تردد واحياناً بشكل علني لكي لا يستفحل الامر ثم يصبح خارج عن نطاق السيطرة

وبالنسبة للاسلام والديانتين المسيحية واليهودية وباقي الاديان فان تشريعاتها اشتملت على نوعين من الردع الوقائي ضد الجرائم. الرادع الاول الذي ركزت عليه الاديان هو التهذيب الذاتي للنفس واخافتها مما ينتضرها من عقاب مؤجل الى يوم الدين أو عقاب الهي يصيب الفرد او الجماعة جراء المعاصي والذنوب.
قال تعالى

وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا. فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا. قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا. وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا. (الشمس: 7 – 10)

فالنفس البشرية لكل شخص تمتلك عنصري الشر والخير في داخلها وان اول شيء الهمت به هو عنصر الشر (الفجور) ثم جاء عنصر الخير وهو التقوى (الوقاية) من الشر بعد ان اثبت فيها عنصر الشر. ووضعت الاديان اسس الوقاية لكي تمنع بذرة الشر من النمو. ومن هذه الاسس الرادعة واولها هو الايمان بالله بشكل صحيح وبواسطة العقل الذي هو ضد الجهل. وعليه فالايمان الصحيح الذي يقوده العقل لابد ان يؤدي الى الحكمة والموعضة والخير وقد وضع الله في كافة الاديان لذلك برمجة مستمرة تنمي تقوى النفس وتؤدي بالفجور الى الاضمحلال الجزئي او الكلي حسب عمل الشخص. ومن البرامج التي وضعها الله لتنمية الردع الفردي والجماعي ضد الشر في هذا المجال هي الصلاة الصحيحة والصيام ومساعدة الاخرين والعمل وبر الوالدين وما الى ذلك مما يزكي النفس. ويجب الالتفات الى نقطة مهمة هنا وهي أن ليس كل مَن فعل هذه الامور اكتسب المفعول المرجو منها الا اذا التزم بها بالشكل الصحيح مثل التزام المريض بالتعليمات الطبية الصحيحة دون تأويل او تحريف او ترك من جانبه هو او من جانب من ليس له دراية بالطب. فكم نسمع اليوم ب (حجي او شيخ او ملا فلان) من الذين يقتلون الناس ويغتصبون النساء ويدمرون الممتلكات. فليس كل من حج او صلى او قال بانه مسلم كان عمله مقبولا عند الله او الناس. أن الله ينظر الى عمل الكافر احياناً فيعجبه واحياناً كثيرة ينظر الى عمل المسلم فيبغضه وقد يغضبه! أن ابليس كان يعبد الله مع الملائكة آلاف السنين وكان من اكثرهم خوفاً وعبادةً له ولكنه عندما عصى الله بسبب الغرور والقياس الغير صحيح كلفه ذلك كثيراً ليس لانه عصى فقط بل لأنه اصر على العصيان ولم يتراجع ابداً فصار عامل مباشر لتحفيز عامل الشر في النفس البشرية

أما الرادع الثاني الذي جاءت به الاديان فهو مجموعة عقوبات تتفاوت شدتها حسب نوع الجريمة وحث الاسلام وكذلك الاديان الاخرى على تفعيلها. وللعلم فقط فأن العقوبات التي نصت عليها الاديان التي سبقت الاسلام كانت أكثر قسوة واشد تنكيلاً من تلك التي جاء بها الاسلام لنفس الجرائم


أن اشد جريمة حث الاسلام و باقي الاديان وكذلك الشرائع الوضعية على عقوبتها هي جريمة قتل النفس البشرية بغير ذنب علاوة على أن قتلها بسبب ذنب ليس من مسؤولية او واجب من هب ودب بل بعد تحقيق الادلة واثبات الجرم وحسب القانون. فكيف بها وهي تقتل اليوم من رعاع لايفرقون بين معطسهم ومفساهم ويفتي لهم بذلك من هو اشد منهم غباءاً ممن تلبسوا بعباءة الدين كما تلبس بها ممن حرف الدين عن منهجه الصحيح من اسلافهم ومن اجل أهوائهم الرخيصة

مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي ألأرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي ألأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ. إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي ألأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ ألأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الاخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ. (32 – 33: المائدة)

أن واحدة من أهم اسباب انتشار جرائم القتل والخطف والسرقات والاغتصاب والتفجيرات في العراق هو عدم وجود تفعيل ملموس لعقوبات رادعة

والسؤال الان هو هل يكفي في هذه المرحلة المتأخرة من تفعيل عادي للعقوبات؟ وبالتأكيد فان الاجابة الصحيحة هي كلا والف كلا لأن مَثَلَ انتشار الجرائم والارهاب في بلد ما هو مِثلُ انتشار السرطان في الجسم. فاذا تم تشخيص السرطان مبكراً يمكن استخدام عقاقير كيمياوية او اشعة ذرية لمعالجته أما اذا بلغ مرحلة متقدمة فانه يحتاج الى علاج أقوى قد يشمل اضافة الى الجراحة استخدام الوسائل الاخرى. وعليه فان تفعيل عادي للعقوبات لن ينفع في العراق

يجب أن يصار اليوم وبدون تأخير على الاطلاق الى اصدار قوانين عقوبات استثنائية و من رئاسة الوزراء و حتى اشعار اخر أي عندما يستتب الامن. ويجب تطبيق هذه العقوبات في الحال من لحظة صدورها. كما ويجب تشكيل محاكم جزائية محلية في كل محافظة تكون جزء من المحكمة المركزية في بغداد حتى لا يتأخر أصدار الاحكام و تطبيق العقوبات. ويمكن ان تحل تلك المحاكم او تحد صلاحياتها دون عقوبة الاعدام والسجن المؤبد عند استتباب الامن بشكل كلي. ويجب ان تشكل محكمة عسكرية تحال اليها كافة الجرائم الاستثنائية حتى يستتب الامن

يجب أن تبدأ الحكومة المتخبة فوراً بتفعيل القضاء العادل وتنفيذ الاحكام التي تتناسب مع الجرائم ليس لان هذا مطلب جماهيري فحسب بل لأن الفرق بين هذه الحكومة وسابقتها ان هذه الوزارة منتخبة وتمثل الشعب والتي سبقتها كانت شبه مفروضة لاقتضاء الحاجة لتمشية الامور

أن البد لذي يخاف فيه القاضي من الجاني لاخير فيه وما هو الا غابة تسودها الوحوش

أن القضاء العراقي في عهد النظام السابق لم يكن له وجود يذكر لانه يتصاغر امام أرادة الحاكم بل وينفذ تلك الارادة وأن كانت على خطأ. وامامه اليوم طريق صعب وخطير لكي يثبت أرادته العادلة ومهنيته لكي يحصل على ثقة الناس والعالم. بهذا فقط يمكن للقضاء وللبلد أن يستمد احترامه وان يسود القانون وليس باخوف الذي يعاني منه القاضي من الجلاد سابقاً ومن الارهابي حالياً. أن الطبيب الذي يخشى على نفسه المرض من انتقال العدوى اليه من المريض سوف لن يستطيع علاج مريض واحد والقاضي الذي يخاف المجرم لايمكن له ان يحاكم متهماً واحداً

العراق بحاجة الى تطبيق عقوبات عادلة وقاسية بحق المجرمين السابقين الكبار والحاليين الاوغاد فهل ستشهد الايام القادمة القليلة تنفيذ هذه الاحكام؟ يجب ان يكون ذلك والا فعلى العراق السلام

كما وأن هذه الفترة يجب ان تكون فيها العقوبات مشددة جداً

This page is powered by Blogger. Isn't yours?Site Meter