بسم الله الرحمن الرحيم

حكام مدى الحياة


لاشك ان العالم المعاصر قد تقدم بخطى متسارعة ليكون اشبه بقرية صغيرة اذا ما قورن بالعالم عام 1900 او حتى في منتصف الخمسينات وما تلاها. ومع تطور الاتصالات اصبح التعلم من تجارب وخبرات الشعوب الاخرى اسهل واكثر تأثيرا. لقد تغيرت الكثير من المفاهيم وسقط العديد من الدكتاتوريات ولكن للاسف فان العرب يراوحون في نفس المكان مما جعل الهوة بينهم وبين الشعوب الاخرى تتسع كثيرا

بالامس رأينا كيف تمت الانتخابات الامريكية وكيف تنافست الاحزاب الامريكية لخدمة الشعب وقبل ان تعلن النتائج سلم الطرف الاقل اصواتا بتلك النتائج واتصل بالجانب الاخر ليبارك له. ان الديمقراطية قوة وعليه فانها لا يرقى لها الا الشجعان ذوي الحكمة والبصيرة والذين يبغون خدمة بلدانهم. فلو اخذنا بريطانيا على سبيل المثال نجد ان مجلس العموم يظم الحزب الحاكم والاحزاب المعارضة التي تعمل كصمام امان لصالح الشعب. فلا يستطيع الحزب الحاكم ان يمرر شيئا الا اذا كان قد محصه وفكر في انه يستطيع ان يثبت بانه لصالح بريطانيا وشعبها. علاوة على ذلك فان امامه دورة انتخابية اخرى اذا لم يحسن العمل واقناع الشعب بانه عمليا قد خدمه فانه سوف لن يفوز

الديمقراطية هي اختلاف مبني على احترام الراي الاخر مهما كان مغايرا ومادام بحدود القانون والاخلاق. وهذا هو الاختلاف الذي اشار اليه الرسول (ص) بان في اختلاف امته خير! انه لم يقصد اختلاف المذهب والعقيدة والدين لان هذه الامور واحدة في اطار الدين الواحد والتاريخ يؤكد لنا ان الاختلاف فيها ما ادى الا الى التكفير والقتل والدمار. ولا يقع الاجتهاد في الدين هنا ضمن الاختلاف لان الاجتهاد هو اعطاء رأيين متغايريين في ثابت متفق عليه اما الاختلاف فقد يشمل الثابت نفسه. اذن فان الاختلاف المشار اليه هو احترام راي الغير وتفعيل الديمقراطية التي تؤدي الى خدمة الانسان وارساء دعائم مجتمع له كرامته الفردية والجماعية بغض النظر عن الفكر والمذهب والوضيفة والانتساب والعشيرة والقوميه وما شابه. اليس هذه هي التي يطالب بها الدين الاسلامي
اذن اين العرب والمسلمين اليوم من تراثهم ومن العالم الذي يحيط بهم؟

للاسف الشديد ان التطرف العربي والاسلامي هو نتاج مؤكد للواقع الشمولي والدكتاتوري في الحكم والذي اصبح مقرفا بشكل تشمأز منه النفوس. ففي العصر الذي يتجه به البشر الى الديمقراطيات والتغيير والتي تكون فيه وضيفة رئيس دولة مجرد وضيفة عادية كغيرها فاننا للاسف الشديد نجد ان العرب لا يراوحون في نفس المكان فحسب بل يسيرون الى الوراء. فهم يغيرون القوانين ان تطلب الامر لتنصيب الحكام بالوراثة! ليس هذا فحسب بل بدلوا حتى التوجهات التي سارت عليها الدنيا والتاريخ وذلك بجعل الجمهوريات وراثية

و لابد ان نعترف ونشير الى ان الحكام هم من صنيعة الشعوب وان العقلية الشرق اوسطية والعربية بالذات تحب تأليه بل وحتى عبادة الفرد. فلا لايخفى على احد الشعارات والصور وبالروح بالدم نفديك ياحمار وما الى ذلك! ان الشعوب مسؤولة مسؤولية مباشرة عن تغيير واقعها فالله لاينزل وجبات طعام جاهزة بل يعطي مواد اولية لمن يعمل ويشقى والبشر هي التي تعمل ما فيه مصلحتها

ان الدكتاتوريات العربية لاتقتصر على الحكام بل تشمل الافراد كل في موقعه. اننا اذا اعترفنا بذلك انما نبتغي تصحيح التفكير العربي لما فيه منفعة الجميع وللتغيير نحو الاحسن. فالعربي بشكل عام دكتاتوري التفكير وانفعالي التصرف وسرعان ما يثيره الرأي الاخرفينفعل ويحاول ان يبسط رأيه بشكل خاطيء يخلو من الاقناع. واذا يأس من ذلك قد يعمد الى الاساءة الشخصية للاخر. والامثلة كثيرة على ذلك مما تعرضه شاشات الفضائيات العربية من مناطحات هستيرية. فالدكتاتورية موجودة في البيت والمدرسه والجامعة والمعمل والدائرة والشارع وهي موجودة عند رجل الدين قبل غيره وعند كل شخص بل ويربي عليها ابناءه. وهي موجودة عند الرجال والنساء على حد سواء. ورغم ان الرجل الشرق اوسطي والعربي اكثر دكتاتورية من النساء الا ان قسم من النساء تتفوق على الرجال في هذا الجانب سواء في البيت او في العمل. اننا اذا قرأنا بعض كتب التاريخ نجد صفحة كاملة عن القاب وصفات واوصاف من يريدون النقل عنه وسطر او بضع كلمات عن قول لا يصلح لأن يكون اكثر من عفطة عنز

ان الدكتوتاريات العربية لا ينتزعها من الحكم الا الموت او الانقلاب. وبما ان العصر ليس عصر الانقلابات او لان الحكام صاروا لا يتحسبون الا لكي يدفعوا عنهم الانقلابات و بصرف اموال طائلة لذلك فلم يبقى الا الموت لانتزاعها منهم بل انهم يبقون حكاما حتى عندما بعد الموت عندما يكونون في وحدات العناية المركزه ليتسنى للابن ان يتسلم المقاليد. ان الكتاتوريات تبني المؤسسات الامنية لحماية انظمتها من السقوط فاذا ما سقطت انهار كل شيء. اي ان كل شيء لخدمة الدكتاتور حتى حزبه. فعندما هرب صدام مثلا وسقط في بالوعة من البالوعات انهارت كافة المؤسسات الامنية لانها لم تبنى الا لحمايته وتقديسه فانهارت عندما هرب

ان الشعوب العربية هي التي خلقت دكتاتورياتها ومن الخطأ تحميل امريكا او غيرها كل اخطاءنا وخير مثال على ذلك هو الشعب العراقي فانه لو رفض صدام بشكل اجماعي بعد ان زجه في مطحنة الكويت التي سبقتها مطحنة الخميني لما صار حال الشعب العراقي ما هو عليه الان. والسبب لبقاء صدام هو نحن الذين تداخلت دكتاتورياتنا مع دكتاتوريته. ان صدام كان يمتلك يدين اثنين فقط ولكنه حكمنا بايدي المنتفعين الذين يقاتلون اليوم بسبب فقدان منافعهم و هم انفسهم الذين قمعوا من انتفض بعد تتابع المصائب منذ عام 1979 . وما هؤلاء الا انقلابيون يقاتلون من اجل دكتاتورية اخرى لهذا نراهم يرفعون صور الدكتاتور. وللاسف فان الشعب العراقي بشكل عام لم يتعلم الدرس بل ان بعضهم سنحت له الفرصه لرفع صور قائده حتى صار عددها اكثر من صور صدام ونفس الذين صفقوا لصدام و قالوا له بالروح بالدم نفديك ياهدام هم انفسهم قالوها لغيره وصفقوا له بعد ان دخل هذا الغير العراق بعد هروب هدام

هناك نوعان من الدكتاتوريات اما دكتاتور يبني وهذا لابأس به على الاقل شعبه سعيد ودكتاتور يهدم ولسوء حظ العراق ابتلي بهدام وصدام (اي يصدم الناس بالبلاء والكوارث). والسؤال هو هل ان الشعب العراقي بعد كل هذه البلايا مستعد لتقبل حمار اخر له قرون ناطحة كانها قرون الشيطان ام قد تعلم الدرس؟ اذا يبدو ان الجواب على هذا السؤال لايزال للاسف غير واضح! وهناك خطر قائم لا على نفس اسس الدكتاتور العشائرية والعرقية والمذهبية. فاننا نجد الناس اليوم كل يغني على ليلاه وكل يتبع بشكل اعمى ولاءات ما كان منها الا الدمار. اننا لا ندعو الى فك الارتباط بالولاء للعشيرة والقومية والنسب والمذهب لانها جزء من الانسان اينما كان ولكن يجب ان لا تحل هذه الولاءات محل العراق كبلد يضم اعراق مختلفة. فلا باس ان يرتبط المرأ بولاءات عديدة ليستمد منها ما يشاء ولكن يجب ان لا يعطي ولاءه بالتصويت على الحاكم لانه شخص يقرب اليه وهو غير كفوء. يجب ان يخذا بنظر الاعتبار من هو الاكفأ في قيادة السفينة الى شاطيء الامان والا ما فائدة انتخاب الاقرب بالولاء لو كان يتسبب بغرق السفينة ومن فيها! وحتى بعد فوز الاكفأ او المنتخب فانه يجب ابقاء الرقابة عليه لنرى ماذا انجز للشعب والعراق. وبما ان هناك جولة انتخابية اخرى بعد 3 او 4 سنوات فانه حتما سيجد لاثبات قدرته. اذا نجحنا بذلك سنكون اول بلد عربي يتم فيه ازالة الدكتاتورية وتداول السلطة بالتنافس الشعبي وكما هي او على الاقل اقرب الى الدول المتحضرة

اننا كشعب عراقي اذا اردنا ان نغير العراق فلا بد ان نغير ما بانفسنا اولا وقبل كل شيء. هذا شيء ليس بالسهل ولكن المطلوب هو تثقيف الشعب على الامور التالية

اولا
كل واحد مسؤول ولافرق بين رئيس ومرؤوس ابدا. فاذا جاء الرئيس الى مكان ما فانه يجب ان لا يزيح الادنى منه مسؤولية ولا على الادنى ان يقدم تنازلات تتعدى حدود الاحترام الواجب والاداب الاجتماعية المقبولة

ثانيا
القانون فوق الجميع بمن فيهم رجل القانون نفسه

ثالثا

انتزاع الشعارات البراقة وابدالها بالعمل والانتاج ومحاسبة المقصرين

رابعا
اصدار قانون لايسمح بوضع الصور وتأليه الشخوص وعلى الرئيس او رئيس الوزراء اذا رأى صورته على جدار ان ينتزعها بيده ويمزقها بنفسه ويحاسب المخالف

خامسا
ترك كافة الشعارات التي على شاكلة بالروح بالدم نفديك ياحمار

سادسا
الوطن والارض لخدمة المواطن وليس المواطن مشروع قتل من اجل الارض الا اذا اعتدي على الوطن فذلك شيء مختلف والكل تهب للدفاع عنه

سابعا
تعليم الجيل القادم على تقبل الرأي الاخر والاستماع له وعلى قراءة التاريخ بفكر ناقد وليس بشكل اعمى فلا احد احسن من احد

ثامنا
على كل حزب من الاحزاب العاملة ان يوضح بشكل واسع النطاق برنامجه للعراق من النواحي الامنية و الاجتماعية والصحية والتعليمية والضرائب والنفط والسياحة والسياسة الخارجية عربيا ودوليا وان يقوم بدوره بالتوعية المطلوبة لتعليم الناس اسس الديقراطية

تاسعا
رجل الدين هو ليس كل من تزيا بزي رجل الدين وعليه مسؤولية بالتوعية والارشاد والمشاركة في البناء والتثقيف ليس بمذهبه قصرا ولا متخذا من الدين وسيلة عيش بل من اجل توحيد الناس ولم شملهم حتى وان كانوا لا دين لهم. ويجب تربية الجيل وتثقيف الناس على ان كل الناس خطائيين ومنهم رجل الدين فلا تتم اطاعته بشكل اعمى لان في ذلك خطر رأيناه بالامس ونراه اليوم شاهدا امامنا

العمل المطلوب شاق ولكنه بالتاكيد لو وجد من يعمل من اجله فسيكون العراق منارا للاخرين

This page is powered by Blogger. Isn't yours?Site Meter