بسم الله الرحمن الرحيم

العراق الى أين يتجه؟
 
سؤال ظل بلا اجابة منذ نهاية الحرب العراقية الايرانية وما تلاه من حرب الكويت ثم حرب عام 2003 وغزو العراق من قبل امريكا وحلفائها.  سقط نظام صدام حسين بعد ان هرب امام الاحتلال الامريكي وبعد ان زج العراق بحروب لاطائل منها حرقت الاخضر واليابس ومزقت الاقتصاد وهدمت البنية الاساسية للخدمات ثم وضعت العراق تحت طائلة الخنوع والخضوع الاممي التي بدأت في خيمة صفوان ومن بعد ذلك اخضاع العراق لعقوبات بربرية وافق عليها نظام صدام نفسه من اجل شيء واحد هو ان يبقى في السلطة.  لم يعمل صدام على حرق العراق وتمزيقه وتركيع اهله بالخوف والرعب والسجون فحسب بل انه حول حزبه حزب البعث الى مجرد اداة وبوق للتطبيل للدكتاتور بشكل اعمى لايحق لاحد ان ينتقد او لايطبل للدكتاتور.  استمر هذا الوضع لسنوات عديدة ادت بالتالي الى تسليم العراق لقمة سائغة للاحتلال الامريكي الذي جاء بدوره ليكما ما بدأه صدام حيث حل الجيش والاجهزة الامنية التي تفككت بعد الحرب واحدث ثغرات امنية كبيرة اسفرت عن دخول عناصر ومجاميع ارهابية مختلفة لتجد لها حاضنات مؤهلة في مختلف مناطق العراق.  احدث كل ذلك وضع هش في العراق استغلته اطراف دولية واقليمية لتنفيذ اجندات مدروسة من اهمها العزف على وتر الطائفية والقومية مستغلين تركيبة العراق من هذه النواحي.  ومما ساعد على العزف على هذا الوتر الطائفي القومي هو سذاجة التفكير العراقي للمواطن العادي وعدم نضوج وطنية العراقي القيادي الى ما هو ابعد من طائفته ومذهبه وقوميته او حتى عشيرته واسرته.  وهذا لايخلو من ان يكون من مخلفات صدام الذي غير فيه عقلية الفرد ومدى تفكيره كاي نظام استبدادي متسلط.
ومن اهم الامور التي ادت بالعراق الى وضعه الهش الحالي هو الفساد المستشري في دوائر الدولة وفي الاحزاب والكتل السياسة التي ليس لديها برامج لانقاذ العراق بشكل وطني غير رغبتها في الحكم فحسب.  ومن اهم الامثلة الفاشلة على ذلك هو المحاصصة الطائفية الفاشلة في الحكومة والبرلمان والرئاسة.  وهناك فشل دائم هو الفشل الامني الذي يتسبب بحدوث عمليات متكررة بنفس الطرق لمجموعات ارهابية في مقدمتها ما يعرف بتنظيم القاعدة.  والفشل الامني لاينفصل عن الفساد الاداري حيث كليهما مرتبط بالطمع المادي وهما مرتبطان بشكل معقد ومتشعب مما يسهل الطريق للخروقات الامنية الكبيرة بينما في نفس الوقت يجعل من الصعوبة القضاء على هذا الفساد.
العراق وضعه هش ولابد من الكلام بوضوح لكي يمكن ان يتم علاج وضعه الحالي.  حيث ان عدم الوضوح وعدم الشفافية ومحاولة التلميع والتلفيق والنفاق من اجل هذا وذاك او من اجل وحدة العراق لاتفيده.  ان الطبيب اذا اراد ان يداوي المرض عليه في البداية ان يشخصه بشكل دقيق وصحيح وسليم لكي يقوم بعلاجه.  اما اذا عالجه بشكل اعمى او غير صحيح او يخفي على المريض طبيعة مرضه فانه سوف يضر المريض بدل ان يفيده وهنا على الطبيب المخلص ان ينسحب ويحيل مريضه الى غيره.  العراق الان كالمريض الذي يعاني بشكل كبير وهو بحاجة الى تشخيص دقيق بشفافية كاملة غير قابلة للمداهنة او ما شاكلها.  وعليه فيجب الكلام عن كافة الامور بصراحة كاملة.  ومن اهم الامور بوضع النقاط على الحروف هو الكلام بصراحة عما يريده كل طرف.  هناك اطراف عديدة في العراق ولكن بشكل مبسط يوجد ثلاثة اطراف رئيسية ظاهرة بشكل واضح وهي تترك اثرها على جميع ما يجري بما لايقبل الشك.  وهذه الاطراف هي الشيعة والسنة والاكراد غير ان التركيبة السكانية تشمل اقليات اخرى وقوميات متعددة. 
كانت هذه التركيبة السكانية في العهد الملكي العراقي تتعايش بشكل وطني متعاون سواء في بودقة المجتمع او في تحديد شكل الحكومة التي انسجمت بوجود ملك من الطائفة السنية ولكنه ينحدر من اهل البيت من البيت الهاشمي وبالتحديد من ابناء الحسين بن علي (عليه السلام).  ولم تكن السياسة انذاك طائفية او قائمة على المحاصصة كما هو الان.  وبعد ثورة 14 تموز ضد الملكية والتحول الى الجمهورية دخلت على الموجة اطراف دولية حاولت منذ ذلك الوقت تحقيق اهدافها بطرق عديدة كان ولايزال من اهمها مبدأ السياسة البريطانية الاستعمارية (فرق تسد).  ومن اهم ما استخدم هو تفريق النسيج العراقي استنادا على نسيجه الاجتماعي.  وهنا لابد من الاشارة الى نقطة جدا مهمة هي ان تعدد القوميات والمذاهب في البلد الواحد تعتبر من مقومات القوة وليس الضعف فيما لو تعايشت هذه مع بعضها البعض بشكل منسجم.  وهذا كان ولايزال سببا كبيرا من اجل تفتيت العراق لمنعه من ان يكون بدا قويا ذا خيرات كبيرة يطمع بها كل طامع.  بعد ثورة 14 تموز ضد الملكية تعاقبت على العراق حكومات البعث ثم انقلاب عبد السلام عارف الذي حاول تنمية الطائفية بدفع من بعض الاطراف وسقطت طائرته بشكل غامض ثم جاء حكم اخية عبد الرحمن عارف الذي سلم السلطة عندما تنازل بعد عودة البعث للحكم عام 1968.  ضم حزب البعث في داخله باعضاء من كافة القوميات والمذاهب دون استثناء ولكنه بقي يترك الهيمنة لحكومة من المذهب السني خاصة بعد هيمنة صدام حسين على السلطة بل كانت بيد افراد من عشيرته المقربين جدا بينما حول العراق باجمعه سواء من السنة او الشيعة او الاكراد الى قطيع تباع له.  وبعد ثورة الخميني في ايران وظهور بعض الاحزاب الدينية واليسارية تعرض الشيعة والاكراد الى حملات عنيفة من قبل نظام صدام واصبح بعد حرب الكويت وانتفاض الناس ضد حكمه يسمي المحافظات الشيعية بالمحافظات السوداء وخرجت الدبابات المتوجه لتأديب الشيعة والقضاء على انتفاضتهم مكتوب عليها (لاشيعة بعد اليوم).  اذن فتح صدام باب الطائفية من اوسع ابوابه والغى حوالي ثلثي شعبه او اكثر بينما سمح بان يكون الشمال العراقي منفصلا بشكل او باخر عن حكمه تحت رعاية قرارت دولية كان صدام يقبل ان يصير مجرد محافظ في بغداد دون ان تسلب منه السلطة ولو بشكل ذليل راكع تحت اقدام فرق التفتيش المتغطرسة التي دخلت حتى الى حجرة نومه انذاك.  كان صدام لو يحب العراق ويحرص عليه ان لايجلس في خيمة صفوان بل ولاحتى يفكر بغزو الكويت او على الاقل ان يستقيل ويرحل بعد هذه الحرب ولو فعل لما حصل بالعراق ولا حتى بالمنطقة باجمعها ما حصل.  المهم هو ان الطائفية والقومية اصبحت سواء قبلنا او رفضنا هدفا سهلا يعزف عليه من يشاء ويتم استخدامه من اجل كل شيء بما في ذلك الانتخابات والكتل والاحزاب.  ومن الامثلة الماثلة امامنا اليوم هو التظاهرات التي يتم شحنها في الانبار والموصل وسامراء وغيرها فلعلها بدأت بمطالب معقولة ولكنها سرعان ما تم تسخيرها لاغراض تخدم اطراف طائفية بل وحتى مجاميع ارهابية مثل القاعدة التي يكرهها اهل هذه المناطق انفسهم ولكنهم يبدو انهم قد غلب على امرهم فاصبحوا اداة ما بين التهديد والترهيب والترغيب.  فابناء الانبار وديالى انفسهم عانوا الويلات من عناصر القاعدة وما شابهها كما وان عشائر هذه المناطق لاتتفق قيمها وتقاليدها مع ما تريد فرضه عليهم القاعدة من افكار متخلفة وتجهيل وكبت للحريات وفرض للقيود وفرض للاتاوات بل وحتى فرض لامور اخرى يخجل الانسان من ذكرها وقد تم تناولها من قبل وهي معروفة لهم.  اذن اذا ترك العراق يسير هكذا فالخاسر الجميع والرابح هم اعداء العراق من كافة الاجناس.  العراق اليوم على مفترق طرق كل واحد من عناصره الثلاثة يهدد الاخرين وخاصة بعض او اغلب القيادات الكردية التي تهدد بل وتتبنى ستراتيجة متتابعة للانفصال وهذا ما لايخدمهم تماما.  فلو افترضنا دولة كردية بين ايران والعراق وتركيا وسوريا التي لايعرف مصيرها هي الاخرى فهل ستكون دولة ناجحة ام ستتولد لها مشاكل هي الان في غنى عنها؟!  اما بالنسبة للمحافضات ذات الاغلبية السنية فهي لو استمرت بهذا الشكل من السماح للقاعدة والاطراف الخارجية فسوف يكون بعد حين من الصعب عليها التخلص من هؤلاء وستكون هي اول من يدفع الثمن ولاينفعها التقسيم على الاطلاق وعليها رفض القيادات الخارجة والتوجه بمطالب وطنية عراقية وعدم توجيه الاتهامات للشيعة على انهم فرس وبني فارس وما الى ذلك من اتهامات باطلة لاتقوم على اساس بينما هم يرفعون شعار يوم الامام الاعظم فيتناسون ان الامام الاعظم ابو حنيفة هو بالاساس من بلاد فارس او من بلاد كابول في افغانستان فهل يجوز تسميتهم ببني افغان او بني كابول.  ولو كان الشيعة يتبعون علي بن ابي طالب وابناءه فمن الاحرى ان يسمى الفرس ببني عرب لانهم يتبعون علي الذي هو عربي قرشي هاشمي وليس العراقيين الشيعة ببني فرس علما بان الشيعة مصطلح اطلقه رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) على علي (عليه السلام) وشيعته كما وان بلاد فارس كانت سنية لعهد قريب جدا وجائها التشيع من العرب وليس العكس!  المقصود هو ان الاتهامات من قبل ممن يعتبرون انفسهم قادة لاتخدم هذا الطرف ولاذاك وبالتالي سترد عليهم.  الحل للعراق هو اما ان يترك الجميع الطائفية ومحاصصتها والتوجه لصناديق الاقتراع فهي الفيصل او ان يتشرذمون؟!  التجربة السابقة على مر العشر سنوات السابقة اثبتت فشل بل وتشرذم اصحاب العمائم فهم عليهم اما ان يخرسوا ويحفضوا دينهم وانفسهم او ان يكونوا وطنيين لاطائفيين.  وهناك امثلة من معممي اهل السنة وكذلك اهل الشيعة المعروفيين بخطابهم الوطني الواضح وامثلة كثيرة على العكس.   
اذن الشفافية والصراحة مطلوبة لكي نحدد الاتجاه الذي يسير اليه العراق وعدم تركه يتردى نحو هاوية التفكيك والتشرذم التي لاتخدم اي طرف وسيكون مسؤول عنها الجميع.  ومن ناحية اخرى يجب عدم فتح المجال لتكرار حصول دكتاتورية جديدة مطلقة وذلك بتحديد فترات الرئاسة الثلاث بمرة اواحدة او على الاكثر مرتين ضمن شروط ولكن ليس ثلاثة مرات.  فالمالكي حكومته قد فشلت بتعزيز الامن والقضاء على الفساد وتوحيد البلاد وغير ذلك والمطلوب هو ان يرحل بعد انتهاء دورته هذه ويتم التصريح بذلك بصراحة منذ الان.  كما ويجب الغاء كون رئيس البلاد كردي ومساعديه شيعي وسني وهكذا الرئاسات الاخرى ومحاصصة الوزارت.  ان هذا شيء غير مهني ولا يفيد العراق بل يجب ان يكون تحديد ذلك من خلال حكومة قد تكون مأتلفة ومعارضة لها ان تشكل حكومة ضل تعارض بالطرق السياسية المهنية الاكاديمية الدستورية.  اما اذا بقي الجميع متشبثين بارائهم متبعين لاجندات خارجية وعناصر ارهابية فعلى العراق السلام وهو بذلك قد يكون عرضة للتقسيم.  الحل هو بايدي العراقيين انفسهم اما بلد واحد قوي ينعم بخيراته الجميع او تشرذم لايعلم نهايته كيف تكون الا الله.


This page is powered by Blogger. Isn't yours?Site Meter